وأما قوله: ونحفد، فإنه يعني: وإياك نخدم، والحفد: هو الخدمة، وترك ذكر إياك، لتقدم إليك مع قوله نسعى، فاستغنى بدلالة قوله وإليك نسعى: على معنى ونحفد، من إعادة وإياك مع نحفد، إذ كان غير حسن إعادة إليك، مع قوله نحفد، وذلك كثير في كلامهم مستفيض ومنه قول الشاعر:
علفتها تبنا وماء باردا حتى شتت همالة عيناها
.
[ ص: 393 ] والماء لا يعلف، ولكن لما كان قد تقدم في أول الكلام ما يدل على معنى ما أراد بذلك، وأن مراده منه: "وسقيتها ماء باردا" : استغنى بدلالة قوله: "علفتها تبنا" ، على مراده من قوله: "وماء باردا" ، عن ذكر "وسقيتها" فكذلك ذلك في قوله: ونحفد، لما كان في قوله "وإليك نسعى" دلالة على مراده من قوله: "ونحفد" ، وأن معناه "وإياك نحفد" ، استغنى بدلالة قوله: وإليك نسعى على ذلك من ذكره. ومن ذلك قول الله تعالى ذكره:
يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق ، ثم قال:
ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ، والحور العين لا شك أنه لا يطوف بهن الولدان، وأن معنى الكلام: ولهم حور عين، أو عندهم حور عين، ولكنه لما كان فيما تقدم من الكلام دلالة على المراد من ذلك، أجرى الكلام في آخره على ما تقدم في أوله، ومن قوله: نحفد قول الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهن أزمة الأجمال
يقال منه: "حفدت الرجل أحفده حفدا" ، "و" حفدة الرجل: خدمه وأعوانه "، ومنه
قول الله جل ثناؤه: وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة .
[ ص: 394 ] فتأوله قوم أنهم أختان الرجل وأصهاره، وآخرون: أنهم خدمه وأعوانه، وكلا القولين غير بعيد من الصواب، وذلك أن أعوان الرجل بمعنى خدمه، في معونتهم إياه، وكذلك أصهاره وأختانه، بمعنى خدمه، في معونتهم له .
[ ص: 395 ]