تهذيب الآثار للطبري

الطبري - محمد بن جرير الطبري

صفحة جزء
وعلة قائلي هذه المقالة أن معنى النفاق إنما هو إظهار المرء بلسانه قولا ما هو مستبطن خلافه، كنافقاء اليربوع الذي يتخذه لنفسه كي إن طلبه صائده من مدخله منها، قصع من قاصعائه، ومنه قول الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض ، وهو السرب للدخول فيها، فكذلك نفاق المنافق، هو اتخاذه ما يظهر من القول بلسانه بالإيمان، خداعا للمؤمنين بذلك، وهو مستبطن بقلبه غير الذي يظهره لهم بلسانه، كفعل اليربوع باتخاذه النافقاء لطالب اصطياده منه، وهو معد للهرب عند الطلب منه القاصعاء خداعا للصائد، قالوا: فإذ ذلك معنى النفاق، وكان الإيمان عندنا قولا باللسان بما يحقن به المرء دمه، وعملا بالجوارح بما يستوجب بالعمل به حقيقة اسم الإيمان، وكان من ذلك العمل الذي به يستوجب مع القول بما ذكرنا حقيقة اسم الإيمان اجتناب الكبائر، ثم رأيناه غير مجتنب ركوب ما حرم الله عليه من الفواحش، ولا مقصر فيما نهاه الله عنه من المآثم، علمنا أن إظهاره ما أظهر بلسانه من القول الذي هو [ ص: 644 ] سبب لحقن دمه، إنما أظهره خداعا للمؤمنين من استحلال قتله، واستفاء ماله، وذلك هو النفاق الذي وصفنا صفته، وأن من كان ذلك صفته، فهو منافق فاسق لا مؤمن، قالوا: فلا اسم له هو أولى به مما سميناه به، قالوا: إذ الأخبار بعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متظاهرة أنه قال: "ثلاث من علامات المنافق، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" ، قالوا: والزنا والسرق وشرب الخمر، أعظم في الدلالة على نفاق المنافق من إخلاف الوعد، وخيانة الأمانة، والكذب في الحديث، قالوا: وفي ذلك مكتفى عن الاستشهاد على صحة تسميتنا الزاني والسارق، والشارب الخمر، والمنتهب النهبة، التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم منافقا بغيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية