تهذيب الآثار للطبري

الطبري - محمد بن جرير الطبري

صفحة جزء
17 - وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن الحارث ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بنحوه .

فإن قال لنا : أو جائز في الحلف الذي أمر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - [ ص: 30 ] بالوفاء به من حلف الجاهلية ، وقد علمت أن القوم إنما كانوا يتعاقدون بينهم على أن يرث بعضهم بعضا ، ويكون بعضهم عونا لبعض على من أرادوه بظلم أو أرادهم بذلك أن يوفي بشروطه التي كانوا تعاقدوه عليها في الجاهلية ؟ قيل : إن الذي أمر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بالوفاء به من ذلك هو ما لم يفسخه الإسلام ، ولم يبطله حكم القرآن ، وهو التعاون على الحق ، والنصرة على الأخذ على يد الظالم الباغي .

فإن قال : فإن هذا حق لكل مسلم على كل مسلم فما المعنى الذي خص به في الجاهلية حتى وجب من أجله الوفاء به ، ونهى عن مثله في الإسلام استئنافه ؟ وهل على مسلم من حرج في معاقدة إخوان له من أهل الإسلام على التناصر إن بغى أحدا منهم أحد بظلم أو قصده بسوء ؟ قيل : إن ذلك من معنى ما ذهب إليه بعيد .

وإنما معنى قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " ما كان من حلف في الجاهلية ، فتمسكوا به " إنما هو الحلف على النصرة من بعضهم لبعض في الحق ، وذلك ، وإن كان واجبا على كل مسلم لكل مسلم ، فإن على الحليف من ذلك لحليفه من وجوب حق نصرته على من بغاه بظلم دون سائر الناس غيره ما يجب للقريب على قريبه ، والنسيب على نسيبه ، دون سائر الناس غيره .

وإن نابته نائبة من عدو له قصده بظلم من الدفاع عنه ، فله من استصراخه عليه بما قد نهي عن استصراخ عشيرته وقبيلته بمثله ، وذلك أن الأخبار متظاهرة عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : " من تعزى بعزاء الجاهلية ، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا " .

[ ص: 31 ] والتعزي بعزاء الجاهلية : هو أن ينادي من ركب بظلم : يال بني فلان كما قال الشاعر :

فلما التقت فرساننا ورجالهم دعوا : يا ل كعب واعتزينا بعامر

فنهى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - المظلوم عن الاعتزاء بما ذكرنا وأمر من ظلم فاستصرخ على ظالمه أن يقول : يا لعباد الله ويا للمسلمين .

ثم أطلق له من الاستصراخ بحليفه مما نهى عن الاستصراخ بمثله بنسيبه من قبيلته وعشيرته .

فأجاز للرجل من أهل حلف الفضول أو غيره أن يقول : يا لحلف الفضول أو يا لحلف المطيبين وما أشبه ذلك .

أوما تسمعه يقول في الخبر الذي ذكرت عن عبد الله بن طلحة التيمي : " ولو دعيت إليه اليوم في الإسلام لأجبت " ؟ أوما ترى الحسين بن علي قال للوليد بن عتبة : أقسم بالله لتنصفن لي من حقي أو لآخذن سيفي ، ثم لأقومن في مسجد النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ثم لأدعون بحلف الفضول ؟ [ ص: 32 ] فذلك هو الخصوص الذي خص به الحليف بالحلف الذي كان عقده في الجاهلية من حليفه دون سائر الناس غيره .

فإن قال لنا قائل : هل وافق الزهري فيما روى من هذا الخبر ، عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال : " شهدت مع عمومتي حلف المطيبين " أحد من أهل النقل في روايته ؟ .

قيل : أما بإسناد متصل فلا نعلمه ، ولكن :

التالي السابق


الخدمات العلمية