تهذيب الآثار للطبري

الطبري - محمد بن جرير الطبري

صفحة جزء
( القول في البيان عما في هذه الأخبار من الغريب )

فمن ذلك قول عمر: هل سمعتم فيما سمعتم عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في الرجل إذا أوهم في صلاته - يعني بقوله : أوهم - أسقط ، يقال منه : أوهم الرجل في الحساب : إذا أسقط منه شيئا .

وأوهم في صلاته إذا أسقط منها ركعة أو أكثر أو أقل ، فهو موهم إيهاما .

فأما قولهم : وهمت : بفتح الواو ، وكسر الهاء ، فإنه معنى غير ذلك ، ومعناه غلطت ، يقال فيه : وهمت ، فأنا أوهم وهما .

وأما قولهم : وهمت إلى كذا ، فأنا أهم - بفتح الهاء - فمعنى غير هذين .

ومعناه : ذهب وهمي إليه .

[ ص: 69 ] يقال فيه : وهمت إلى كذا ، فأنا أهم إليه وهما .

وأما قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في الحديث الذي ذكرناه عن ابن مسعود عنه أنه قال : " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر وليسجد سجدتين " ، فإنه يعني بقوله : فليتحر : فليتعمد .

ومنه قول امرئ القيس بن حجر :

ديمة هطلاء فيها وطف طبق الأرض تحرى وتدر

يعني بقوله : تحرى : تعمد .

وأما قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في حديث أبي هريرة عنه : " إذا نادى المنادي بالأذان أدبر الشيطان، وله حصاص ، فإذا سكت أقبل ، فإذا ثوب أدبر " .

يعني بقوله : وله حصاص : وله ضراط .

وأرى أن أصله من قولهم : قد انحص شعر فلان .

إذا ذهب .

ومن ذلك قول أبي قيس بن الأسلت :

قد حصت البيضة رأسي فما     أطعم نوما غير تهجاع

يعني بقوله : قد حصت البيضة رأسي : قد ذهب شعر رأسي ، فأرى أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أراد بذلك أن كثرة ما يكون منه ذلك يستفرغ ما في جوفه منه ، كالرأس المنحص شعره .

وأما قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فإذا ثوب : فإنه يعني [ ص: 70 ] بقوله : ثوب صرخ بالإقامة مرة بعد مرة ، ورجع .

وكل مردد صوتا بشيء ، فهو مثوب .

ولذلك قيل للمرجع صوته في الأذان بقوله : الصلاة خير من النوم مثوب .

وأصله - إن شاء الله - من ثاب فلان إلينا .

إذا رجع .

ومنه قول الله تعالى ذكره : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس بمعنى أنهم : إذا انصرفوا عنه رجعوا إليه .

يقال منه : ثوب فلان بكذا ، فهو يثوب به تثويبا .

والرجل مثوب .

وذلك إذا صرخ ، وكرر الصراخ .

ومنه قول الفرزدق بن غالب :

وبهن ندفع كرب كل مثوب     وترى لها خددا بكل مجال

يعني بالمثوب : المستغيث المكرر صوته مرة بعد مرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية