158 - حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: " الأمر عندنا أن السارق إذا سرق المتاع أنه إن وجد صاحب المتاع متاعه بعينه أخذه ، وإن استهلكه أخذ منه قيمة ذلك المتاع يومئذ إن وجد له مال يؤخذ منه ، ويقام عليه الحد ، وإن لم يوجد له مال ، لم يكن عليه دينا يتبع به .
فإن قال قائل : كيف يغرم ، ويقطع! فإنه إذا وجد المتاع عنده بعينه أخذ منه ، وأقيم عليه الحد " .
والصواب من القول في ذلك عندنا قول من قال :
إذا قطع السارق لم يتبع بضمان قيمة السرقة إن كان قد استهلكها موسرا كان بقيمتها أو معسرا ; لقول الله تعالى ذكره :
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله .
[ ص: 111 ] فأوجب - جل ثناؤه - على المسلمين قطع يده ، ولم يأمرهم بتغريمه قيمة ما سرق مما قد استهلك منه ، ولو كان ذلك له لازما لكان قد عرف عباده لزومه ذلك ، كما عرفهم وجوب القطع عليه : إما بنص التنزيل أو بحكم الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وفي تركه تعريفهم وجوب ذلك عليه ببعض ما ذكرنا الدلالة الواضحة على أن ذلك عليه غير واجب .
فإن ظن ظان أن في بيان الله - تعالى ذكره - على لسان رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - حكم الغاصب مال أخيه المسلم المستهلكه عليه الكفاية من بيان الحكم في السارق المستهلك ما سرق ، إذا قطعت يده ، إذ كان الله - جل ثناؤه - قد جعل ما أوضح بيانه بالنص المحكم دليلا على نظائره مما خفي فقد أغفل .
وذلك أن ذلك لو كان كما ظن لوجب أن يكون حكم المحكمة من أهل الإسلام إذا غلبوا على مال أهل العدل فاستهلكوه ، ثم ظهر عليهم أهل العدل مضمونا على مستهلكه منهم ; لأن أخذهم ما أخذوا من ذلك واستهلاكهم ما استهلكوا منه بغير حق أوجب ذلك لهم ، بل كان ذلك منهم على وجه التعدي والظلم .
وفي إجماع الجميع على أنهم بذلك غير متبعين ولا مظلومين به في عاجل الدنيا ، الدليل الواضح على أن الأمر فيما ظن من أن حكم السارق في لزومه ضمان قيمة ما استهلك من سرقته بعد قطع يده حكم الغاصب المستهلك مال غيره ، إلحاقا منه حكمه بحكمه .
ويقال للمعتل بما ذكرنا في تضمين السارق بعد قطع يده قيمة ما استهلك من السرقة من حكم الغاصب المستهلك مال غيره ما قلت في حربي غلب مسلما على مال له في حال حربه ثم أسلم ، وفي يده مما غلب المسلم عليه بعض ، وبعض قد استهلكه ، أيتبع مما كان قد استهلك منه قبل حال إسلامه أم لإتباعه للمسلم قبله في ذلك ؟ " .
وقد علمت أنه لا ظالم ولا غاصب أظلم ممن جمع مع غصبه
[ ص: 112 ] ما غصب الكفر ، والحرب لله ، ولرسوله ، وللمسلمين .
فإن زعم أنه يتبعه ما استهلك من ماله ذلك في حال حربه ، فاد قوله ، وخرج من قول أهل الإسلام .
وإن زعم أنه بذلك غير متبع ، ولكنه يؤخذ منه ما وجد قائما في يده منه ؟ قيل له : فقد تركت الاستدلال بما زعمت أن في الاستدلال به من حكم الله في الغاصب الكفاية على حكم السارق المستهلك ما سرق في تضمينه قيمته مع قطعه ؟ فهلا إن كان الحكم في الغاصب دليلا على الحكم في السارق الذي وصفنا أمره ، استدللت بحكم الغاصب فيما ألزمته من ضمان قيمة ما استهلك مما غصب على حكم الحربي الذي وصفنا أمره ؟ .
أم إن قلت : إن الحكم في الحربي المستهلك مال من غلب على ماله من المسلمين ، فاستهلكه ، ثم أسلم أصل في أنه لا يتبع بقيمته مخالف حكم الغاصب جعلت حكم السارق المستهلك ما سرق ، إذا قطع له نظيرا في أنه غير متبع دون إلحاق حكم السارق الذي وصفنا أمره بحكم الغاصب الذي قلت أولى من إلحاق حكمه بحكم الحربي الذي وصفنا حاله .
فإن اعتل بأن الجميع لما كانوا مجمعين على أنه إذا قطعت يده والسرقة التي سرقها قائمة في يده ، أنها مأخوذة منه ، كان في ذلك دليل على أنه غارم ، وإن كان قد استهلكها .
قيل : له : فما قلت في حربي أسلم ، وفي يده مال لمسلم غلبه عليه في حال الشرك والحرب : أتحكم عليه برده على المسلم أم لا ؟ فإن قال : لا أحكم بذلك عليه ، ترك قوله فيه ، وإن قال : بل أحكم عليه برده عليه .
قيل له : أفتحكم عليه بما كان استهلكه له في حال كفره وحربه للمسلمين ؟ .
[ ص: 113 ] فإن قال : نعم .
خالف بذلك من قوله قول جميع علماء الأمة .
وإن قال : لا .
قيل له : فقد فرقت بين حكم ما كان موجودا من ذلك في يده بعد إسلامه ، وما كان مستهلكا منه! فما أنكرت أن يكون كذلك حكم ما كان من السرقة موجودا في يد السارق بعد قطع يده مخالفا حكم ما كان منه مستهلكا بأن يكون ما كان منه موجودا في يده مأخوذا منه ، وما كان منه مستهلكا فلا غرم عليه فيه .
ثم سئلت الفرق بين ذلك من أصل أو قياس ؟ فما يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في غيره مثله .
وفي هذا الخبر أيضا الدلالة الواضحة على أن القائم من السرقة في يد السارق مأخوذ منه ، وإن قطع ; وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=31785 " إذا أقيم على السارق الحد فلا غرم عليه " .
والغرم إنما هو غرم ما استهلكه أو قيمته ; وذلك أنه لا يقال : غرم فلان لفلان شيئا .
بمعنى : رد عليه ما أخذه منه بعينه .
وإنما يقال : غرم له ما استهلكه عليه .
فإذا كان - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إنما أزال عنه بالقطع الغرم فمعلوم أن ما لا يستحق أن يقال : إذا أخذ منه من مال المسروق منه الموجود قائما في يده غرمه أنه مأخوذ منه .
وبالذي قلنا من ذلك قال السلف من أهل العلم ، وأجمع عليه منهم الخلف .
( ذكر بعض من حضرنا ذكره ممن قال ذلك من السلف )