تهذيب الآثار للطبري

الطبري - محمد بن جرير الطبري

صفحة جزء
441 - وحدثنا محمد بن مقاتل الرازي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن قال : حدثنا أبو حنيفة ، عن أبي سفيان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " الوضوء مفتاح الصلاة ، والتكبير تحريمها ، والتسليم تحليلها " .

فهذا ما في ذلك عن الصحابة والتابعين والسلف الصالح .

وأما الخبر الذي روي عن أبي مسعود ، أنه قال : " لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ظننت أن صلاتي لم تتم " .

فإنه خبر مرسل ; وذلك أن أبا جعفر لم يدرك أبا مسعود ، ولا رآه ، ولو كان قد أدركه ، ورآه لم يجز لنا تصحيحه عنه ; إذ كان راويه جابر الجعفي ، وفي نقل جابر الجعفي ما فيه ، مما تقدم بياني بعضه ، ولو كان ذلك خبرا متصلا ، عن أبي مسعود ، وكان لا مطعن في إسناده لطاعن لم يكن فيه - أيضا - وفاق لقول من ذكرنا قوله ممن زعم أن صلاة من لم يصل على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بعد التشهد في صلاته حتى خرج منها ، فاسدة عليه الإعادة ; وذلك أن الذي حكي ، عن أبي مسعود في الخبر الذي ذكرنا عنه ، إنما هو أنه قال : " لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ظننت أن صلاتي لم تتم " : ولم يقل كانت صلاتي فاسدة " .

وقد يظن الظان الأمر ، ثم تكون حقيقته بخلاف ما ظن ، وهذا من ذلك .

وبعد : فلو كان أبو مسعود ، قال : " لم تتم صلاتي " أو قال : " كانت صلاتي فاسدة " : كان القول في ذلك خلاف ما قال ; إذ كان منفردا بما قال من ذلك ، والخبر عن رسول الله - صلى الله عليه [ ص: 258 ] وسلم بخلافه ، والأمة مجمعة على غيره ، وكان عليه ، وعلى جميع الخلق : اتباع ما صح به الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ كان هو المتبوع ، لا التابع .

فهذا هذا ، لو صح الخبر ، عن أبي مسعود ، بما روي عنه في ذلك ، وكيف وعزيز تصحيحه ؟ فإن قال لنا قائل : فهل ترى للمصلي أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في صلاته ؟ فإنك إن قلت : نعم قيل لك : ففي أي أثر أو خبر : وجدت أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ علم أمته الصلاة ، علمهم الصلاة عليه فيها ، وقد علمت أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم يدع شيئا مما بأمته الحاجة إليه في أمر دينهم ، إلا وقد بينه لهم ، إما بنص ، وإما بدلالة .

وإنما حجتك على من أنكرت قوله ممن أفسد صلاة المصلي بتركه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بعد التشهد في آخر صلاته أنه خالف بقوله ذلك : الأخبار المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وما أجمعت عليه الأمة ، ورأته عن نبيها - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وفي إذنك للمصلي أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فيها ، وإن لم تفسدها بتركه ذلك : دخول في مثل الذي عبت على من أنكرت قوله ممن أفسدها بترك الصلاة عليه فيها .

وإن قلت : لا .

قيل لك : وما وجه حظرك ذلك ، وقد رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال - إذ علم أمته التشهد في الصلاة - : " فإذا قلتموها ، فليتخير أحدكم من الدعاء ما أحب " ؟ والصلاة على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من أفضل الدعاء ؟ قيل له : إنا - وإن رأينا - أن من فاضل الأعمال : الصلاة على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - واخترناها على كثير من نوافل الفضل ، فإنا لا نحب لأحد أن يتقرب إلى الله - تعالى ذكره - في شيء من أعماله [ ص: 259 ] الصالحة إلا على الوجه الذي أمره بالتقرب بها إليه : إما في كتابه ، وإما على لسان رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ولم نجد في كتاب الله ، ولا في خبر صح عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمرا بالصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في شيء من صلاة المصلي ، ولا ندبا إليها ؟ بل الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - واردة بما قد ذكرنا قبل .

وعمل الأمة وقولها موجود بما قد بينا! ولا نرى لأحد أن يزيد في صلاته المكتوبة والنافلة على ما علم نبي الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمته من القول والعمل فيها .

وأما قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ علم أمته التشهد في آخر الصلاة - : " فإذا قلتم ذلك ، فليتخير أحدكم من الدعاء ما شاء " : فإنه إنما قال : " فليتخير أحدكم من الدعاء لنفسه ما شاء " .

كذلك ورد الخبر عنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .

غير أنا - وإن اخترنا - ما بينا من الدعاء والقول بعد التشهد ، فلا نرى صلاة مصل فاسدة بصلاته على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في وسط صلاته ، وأولها وآخرها ، كما لا تفسد بدعائه فيها لنفسه ، ووالديه ، وغيرهما ; لما قد بينا قبل في أول كتابنا هذا ، أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ندب إلى ذلك أمته ، وقال لهم : " إذا ركعتم فعظموا الرب ، وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء ، فإنه قمن أن يستجاب لكم " .

وما أشبه ذلك من الأخبار التي قد مضى ذكرنا لها ، فأغنى ذلك عن إعادتها .

فإن قال : فهل وجدت أحدا من سلف الأمة ندب إلى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في الصلاة ؟ .

[ ص: 260 ] قيل : نعم وقليل عدد قائليه فإن قال : فاذكر لنا بعض قائليه لنعرفه ؟ قيل :

التالي السابق


الخدمات العلمية