( القول في البيان عما في هذه الأخبار من الغريب )
فمن ذلك : قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ علم أمته الصلاة عليه - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655881 " قولوا : اللهم صل على محمد " وقد بينا معنى قوله : " اللهم " فيما مضى من كتابنا هذا ، وذكرنا اختلاف المختلفين من أهل العربية فيه ، وبينا الصواب - لدينا - من القول فيه .
وأما
الصلاة : فإنها في كلام العرب : الدعاء .
يقال : صلى فلان على فلان : إذا دعا له بخير .
ومن ذلك قول
أعشى بن ثعلبة في صفة خمر :
[ ص: 261 ] لها حارس لا يبرح الدهر بيتها وإن ذبحت صلى عليها وزمزما)
يعني بقوله : صلى عليها : دعا لها .
ومنه قول الله - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - :
وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم .
يعني بقوله :
وصل عليهم : ادع لهم بخير .
فإن قال قائل : فإن كانت الصلاة دعاء كما قلت ; فقد وجب أن يكون قولنا : اللهم صل على
محمد مسألة منا ربنا ، أن يدعو
لمحمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وذلك من المحال ; لأن الله - جل ذكره - هو المرغوب إليه ، والمدعو غير الراغب إلى أحد قيل : إن ذلك بخلاف ما توهمت وإنما معنى ذلك : من دعاء الداعي ربه مسألته إياه أن يرحم
محمدا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ويبارك عليه .
وذلك أن صلاة الله على عبده : رحمته إياه .
وصلاة العباد بعضهم لبعض : دعاء بعضهم لبعض .
فالعباد يرغبون إلى الله - جل ثناؤه - بقولهم : " اللهم صل على
محمد " .
في أن يرحمه ، ويبارك عليه .
والله - تعالى ذكره - يصلي عليه برحمته إياه ، وبركته عليه .
وأما معنى قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - " وآل
محمد " : فإن أصل " آل " في كلام العرب : " أهل " أبدلت الهاء همزة ، كما قالوا : ماء .
فأبدلوا الهاء همزة.
يدل على أن ذلك كذلك : قولهم في التصغير : " مويه " فيردون الهاء التي كانوا جعلوها همزة فيه .
وكذلك يفعلون في الآل إذا صغروه ، قالوا : " أهيل " .
فيردون الهاء التي كانوا جعلوها همزة فيه .
وقد حكي سماعا من العرب في تصغير آل : أويل .
وأكثر
[ ص: 262 ] ما يستعمل العرب " آل " مع الأسماء المعروفة المشهورة .
كقولهم : آل
محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .
وآل عباس ، وآل عقيل .
وقل ما يستعملونه مع المجهول من الأسماء ، لا يكادون يقولون : رأيت آل الرجل ، وآل المرأة .
وقد يقال للرجل الذي يطلب النساء ، ويريدهن ، ويهواهن : هو من آل النساء .
ومن ذلك قول الشاعر :
فإنك من آل النساء وإنما يكن لأدنى لا وصال لغائب)
وقد قال الله - تعالى ذكره - :
كدأب آل فرعون ; يعنى بآل
فرعون : قومه الذين كانوا على دينه ، وفي طاعته .
وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رحمة الله عليه - : " اللهم داحي المدحوات " .
فإنه يعني بقوله : " داحي المدحوات " : باسط المبسوطات .
ويعني بباسط المبسوطات : الأرضين السبع .
وذهب في ذلك إلى قول الله - تعالى ذكره - :
والأرض بعد ذلك دحاها .
يقال منه : دحوت الثوب ، إذا بسطته ومددته ، أدحوه دحوا ودحا الصبي الجوزة : إذا دحرجها .
ومنه قيل لمداح الصبيان : مداح .
وفيها لغة أخرى ، وهي : دحيته أدحاه دحيا .
ومن ذلك قول
أمية بن أبي الصلت : دار دحاها ثم أعمرنا بها وأقام بالدار التي هي أمجد)
وأما قوله : " وبارئ المسموكات " .
فإنه يعني بالبارئ : الخالق : يقال منه : برأ الله الخلق ، فهو يبرؤهم برءا .
ومنه قول الله - تعالى ذكره -
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها يعني من قبل أن نخلقها .
[ ص: 263 ] وأما المسموكات : فإنها المرفوعات بناء .
يقال منه : سمك فلان بناءه .
فهو يسمكه سمكا .
ومنه قول الله - تعالى ذكره - :
رفع سمكها .
ومنه قول
الفرزدق بن غالب : إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول)
وأما قوله : " وجبار القلوب على فطرتها " .
فإنه يعني بقوله : وجبار القلوب على فطرتها : مهيئها ومنشئها .
ويعني بقوله : على فطرتها : على ما هيأها عليه ، وأنشأها من شقاء وسعادة .
والفطرة : الخلقة .
من قول الله - تعالى ذكره - :
الحمد لله فاطر السماوات والأرض بمعنى خالقها .
وأما قوله : " ورأفة تحننك " ; فإن الرأفة : رقة الرحمة .
يقال منه : قد رأف فلان بفلان ، فهو يرأف به رأفة .
ومنه قول الله - تعالى ذكره -
ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله .
ويقال لمن وصف بذلك : هو رجل رؤوف ، ورؤف .
ومن الرؤف قول الوليد بن عقبة :
وشر الطالبين فلا تكنه تقاتل عمه الرؤف الرحيم)
وأما التحنن : فإنه التفعل من الحنان ، وهو الرحمة .
ومنه قول الله - تعالى ذكره - :
وحنانا من لدنا وزكاة بمعنى : ورحمة .
ومنه قول
طرفة بن العبد : أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وأما قوله : " والدامغ جيشات الأباطيل " .
فإن الجيشات : جمع جيشة .
والجيشة : الفعلة .
من قول القائل : جاشت الفتية : إذا هاجت
[ ص: 264 ] واشتدت .
وجاشت القدر : إذا هي فارت غليا ، فهي تجيش جيشا ، وجيشة .
والجيشة : المرة الواحدة .
مثل الغلية .
ومنه قول الشاعر :
تجيش علينا قدرهم فنديمها ونفثؤها عنا إذا حميها غلا
وأما قوله : " كما حمل فاضطلع " .
فإنه يعني بقوله : " فاضطلع " : فأطاق حمله ، واستقل به ، وقوي عليه .
يقال منه : إن فلانا مضطلع بهذا الأمر : إذا كان قويا عليه .
ومنه قول
الأعشى في مدح
هوذة بن علي الحنفي : قد حملوه حديث السن ما حملت ساداتهم فأطاق الحمل واضطلعا
يعني بقوله : اضطلع : احتمل ، وقوي عليه .
وأما قوله : " حتى أورى قبسا لقابس " .
فإنه يعني بقوله : أورى : أظهر ، وأوضح ، وأنار ، وأضاء .
من قولهم : أورى فلان من زنده النار : إذا أظهرها ، فهو يوريها إيراء .
ومنه قول
أعشى بني ثعلبة : ولو رمت في ظلمة قادحا حصاة بنبع لأوريت نارا
يعني بقوله : لأوريت : لأظهرت .
وأما القبس : فإنه الشعلة من النار .
وأما القابس : فإنه المستشعل .
ومنه قول الله - تعالى ذكره - مخبرا عن قول
موسى صلوات الله عليه لأهله :
لعلي آتيكم منها بقبس .
وإنما جعل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضوان الله عليه - الحق الذي جاء به نبينا
محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من الإسلام وشرائعه ، والقرآن وحكمه مثلا للقبس يقتبسه المقتبس .
فجعل ذلك في نوره ، وبرهانه ، وضيائه لمن
[ ص: 265 ] استنار به ، واستضاء بضوئه ، مثل القبس من النار لقابسه .
ومن القبس والقابس أيضا ، قول
الكميت بن زيد الأسدي : لما أجابت صفيرا كان آيتها من قابس شيط الوجعاء بالنار)
وأما قوله : " آلاء الله تصل بأهله أسبابه " : فإن الآلاء هي النعماء .
ومنه قول الله - تعالى ذكره - :
فبأي آلاء ربكما تكذبان .
بمعنى : فبأي نعماء ربكما تكذبان .
وأما قوله : " من فوز ثوابك المعلول " : فإنه يعني بالمعلول : المضاعف .
وأصله : من العلل في الشرب : وهو الشرب الثاني .
يقال منه : شرب فلان علا بعد نهل .
فالنهل : الشرب الأول ، والعلل : الشرب الثاني .
ثم يستعمل العلل في كل شيء تكرر مرة بعد مرة ، فيقال للثوب إذا صبغ صبغا بعد صبغ ، وأعيد عليه الصبغ مرة بعد مرة : عل بالصبغ .
ومنه قول
أبي داود الإيادي في صفة لون فرس :
خيفانة تهدي الخبار كأنها غب الوجيف تعل بالإجساد)
يعني بقوله : تعل بالأجساد : يعاد عليه الصبغ بالإجساد .
وهي جمع جساد .
والجساد : الزعفران ، ودم الأخوين! وأما قوله : " وجزل عطائك المحلول " : فإنه يعني بالمحلول : المبذول .
وهو مفعول من قولهم : حللت العقد .
وأما قوله : " عل على بناء البنائين بناءه " : فإنه يعني بقوله ; عل : ارفع .
[ ص: 266 ] من قول القائل : على فلان بناءه : إذا رفعه ، فهو يعليه تعلية .
وأما قوله : " وأكرم مثواه " : فإن المثوى : المنزل .
وهو المفعل من قولهم : ثوى فلان بموضع كذا : إذا أقام به .
ومنه قول
سحيم عبد بني الحسحاس : فإن تثو لا تملل وإن تصح غاديا تزود وترجع عن عميرة راضيا)
يعني بقوله : تثو : تقيم .
ومنه قول الله - تعالى ذكره لنثوينهم من الجنة غرفا : يعني بقوله : لنثوينهم : لننزلنهم ، ولنجعلن لهم موضع مقام .
وأما قول الأعرابي للنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " ولا أدري ما دندنتك ولا دندنة
معاذ " ،
وقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - للأعرابي : " حولها أدندن أنا ومعاذ " : فإن الدندنة : هو الكلام الخفي الذي يسمع من المتكلم به صوته ، ولا يفهم معناه ، مثل الهينمة .
وأما قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في التشهد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650791 " قولوا : التحيات لله " .
فإن التحيات : جمع تحية .
والتحية في كلام العرب : الملك .
ومنه قول
زهير بن جناب الكلبي : أبني إني فاعلموا أورثتكم مجدا بنيه
وتركتكم سادات أقوام زنادكم وريه)
من كل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية
[ ص: 267 ] يعني بالتحية : الملك .
ومنه قول
عمرو بن معد يكرب الزبيدي : أسير إلى أبي قابوس حتى أنيخ على تحيته بجندي
يعني بقوله : على تحيته : على ملكه .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك أنه سئل عن ذلك ، فقال : معناه الحياة الدائمة لله! والذي ذكرت أن العرب تقوله في معنى التحية ، هو المعروف عند أهل العلم بكلام العرب .