( القول في البيان عما في هذا الخبر من الفقه )
والذي فيه من ذلك:
الدلالة على ألا حرج على المرء في القول في أمر دنياه، بما هو عنده حق - وإن كان الحق في الذي قال غيره - وألا تبعة عليه في الرأي يراه في أسباب المعاش، فيشير به على غيره، وهو عنده صواب، فيعمل به الذي أشار به عليه، فيصادف ذلك خطأ; وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال للقوم الذين كانوا يلقحون النخل: ما أظن ذلك يغني شيئا وكان ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - رأيا رآه في تدبير أمر الدنيا، وأسباب المعاش.
[ ص: 332 ] وفي ذلك - أيضا - من قوله إبانة عن خطإ قول من قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لا يعمل شيئا، ولا يقوله إلا عن وحي من الله به إليه، كان عمله ذلك، وقوله في أمر الدين أو الدنيا.
ودلالة على صحة قول من قال:
قد يجوز أن يفعل رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أفعالا كثيرة، ويقول أقوالا في غير أمر الدين، ولكن في تدبير أمور الحرب، وأسباب المعاش بما يحضره من الرأي، صادف ذلك صوابا أو غيره .
وإنما الذي لا يجوز أن يكون منه على وجه الرأي ما كان من أمر الدين الذي يلزم العباد العمل، أو الدينونة به! وذلك أنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=682171 " إنما أنا بشر مثلكم، وإنما هو ظن ظننته، والظن يخطئ ويصيب ".
وكان قيله ذلك في أمر من أمر المعاش وفيه - أيضا - الإبانة عن خطإ قول من يقول: إن الأنبياء، قد كانت علمت كل ما بالخلق إليه الحاجة في أمر الدين والدنيا; وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ أخبر بأمر القوم الذين كانوا يلقحون النخل، قال: ما أظن ذلك يغني شيئا، فلما تركوا التلقيح، وحال نخلهم، فبلغه ذلك، قال: إنما هو ظن ظننته، إن كان يغني شيئا فليصنعوه، فأخبر - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن قوله ذلك كان ظنا ظنه، لا يقين علم منه به.
وأن حكمه - فيما لم يكن خبرا منه عن الله تعالى ذكره - حكم سائر البشر في أنه
لا يعلم من الأمور إلا ما علمه الله تبارك وتعالى