فقد بينت هذه الأخبار عن صحة ما قلنا من أن قوله تعالى:
وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ، بيان من الله تعالى عن صفة فرضه على الخائف من عدوه في سفره، في حال دخوله في صلاته، لا دلالة على ترخيصه للمسافر في قصر الصلاة في حال ضربه في الأرض بكل حال، وبعد فإن في قوله عز وجل:
فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة بيانا واضحا عن صحة ما قلنا من أن قوله عز وجل:
وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا معني به القصر عن حدودها الواجب على الآمن المطمئن إقامتها عليه؛ لأن ذلك لو كان إذنا بالقصر على مبلغ عددها لقيل: فإذا اطمأننتم فأتموا الصلاة، وإذا كان الأمر على ما وصفنا في قوله تعالى:
وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ،
[ ص: 267 ] وبالذي عليه استشهدنا، فمعلوم أن الإذن للمسافر الآمن في سفره من عدو يفتنه، المطمئن فيه من كافر يغتاله من الله له بغير هذه الآية، إذ كانت هذه الآية إنما تدل على ما وصفنا من
صفة صلاة الخائف من عدوه، دون الآمن منه، وأن ذلك الإذن إذ لم يكن موجودا في كتاب الله عز وجل موجودا بنص يتلى، فإنما ثبت بوحي كان من الله عز وجل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فبينه صلى الله عليه وسلم لأمته قولا وعملا، كما قال من ذكرنا ذلك عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقصر الصلاة في السفر إذا رخصة من الله تعالى ذكره، لمن سافر من عباده المؤمنين به في حال ضربه في الأرض، بترخيصه ذلك له على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في حال الأمن والطمأنينة، ليس له قصر شيء من حدودها ما كان آمنا مطمئنا.
فإذا كان خوف فله قصرها من حدودها على ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حراسة بعض بعضا فيها، وتقدم وتأخر في بعض الأحوال، وفي بعض الأحوال بالاجتزاء فيها بالتكبير والقراءة والإيماء بالركوع والسجود، دون التمكن فيها من الركوع والسجود تمكن الآمن المطمئن فيها.