واعتل قائلو هذه المقالة لقولهم هذا بأن قالوا: إنما
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم الأبد وصوم الدهر.
قالوا: ومن أفطر من السنة بعضها، لم يستحق أن يوصف بأنه صام الأبد، إذ كان لا خلاف بين الجميع في أن حالفا لو
حلف لا يكلم رجلا سماه، أبدا أو الدهر، فكلمه ساعة من دهر أنه حانث.
فمعلوم بذلك أن الدهر والأبد إنما هو أيام حياة المرء إلى حين وفاته، فمن أفطر في بعضه كان غير صائم الأبد.
قالوا: وأخرى، أن الأيام التي حظر صومها على صائم الأبد، غير الأيام المنهي عن صومها ممن حظر ذلك عليه، ولا يخلو من أن يكون جائزا لغيره من المسلمين صومها، أو يكون ذلك محظورا على جميع المسلمين.
فإن يكن جائزا صومها لغيره من المسلمين، فسبيله سبيل غيره فيما يجوز له من ذلك، إذ كان ما تقدم ذلك من صومه أو تأخر، لا يحرم عليه صومه ما أطاق وإن كان ذلك محظورا على جميعهم، فحكمه في ذلك حكمهم.
قالوا: وفي إجماع الجميع من أهل العلم أن لغيره أن يصوم تلك الأيام، أوضح الدلالة على أن له من ذلك مثل الذي لهم منه.
[ ص: 318 ] قالوا: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله فيصله برمضان، من غير إفطار بينهما.
قالوا: فلو كان غير جائز للمرء صوم أيام السنة كلها -إذا هو أفطر الأيام المنهي عن صومهن -لدخوله في معنى من صام الأبد؛ لكان صلى الله عليه وسلم لا يوالي بين صوم شهرين من غير إفطار بينهما، إذ كان أخذ ذلك من بدن الصائم وقواه، نظير أخذ صوم السنة وأكثر.
قالوا: وفي جواز موالاة الموالي بين صوم الشهرين، عند منكري صوم الأبد، إذا أفطر الأيام المنهي عن صومهن، أوضح الدليل على أن أولى القولين في ذلك بالصواب، قول من أطلق صوم الأيام كلها، إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومهن.
قالوا: وقد قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال إذ سئل عن صوم الدهر:
nindex.php?page=hadith&LINKID=30815 "لا صام ولا أفطر" ، لمن صام حتى هلك من صومه، ورووا بذلك خبرا :-