تهذيب الآثار للطبري

الطبري - محمد بن جرير الطبري

صفحة جزء
والصواب من القول عندنا في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا، هو ما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى ذلك الشعبي ، عن قوله: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا هجيت به" ، ولا معنى لتوهم المنكر صحة معنى هذا الخبر أنه يلزمه إن قال بتصحيحه إباحة ما دون امتلاء الجوف من هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كان الظاهر منه عنده أنه يدل على النهي عن الامتلاء منه دون الدلالة على النهي عما هو دون الامتلاء، وأن باطنه عنده يدل على إباحة ما دون [ ص: 652 ] الامتلاء منه، إلا لغفلة، بل في ذلك الدليل الواضح، لمن تأمله بفكر صحيح، أنه من النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن قليل ما هجي به من الشعر وكثيره، وذلك أنه لا شك أن الامتلاء من ذلك إذا كان نظير الامتلاء من القيح الذي يورث الوري، فإن ما دون الامتلاء منه نظير ما دون الامتلاء من القيح الذي من حكمه أن يورث الامتلاء منه الوري، وذلك لا شك كله داء مكروه، وضر على الأبدان محذور، يتقيه كل ذي فطرة صحيحة، ويهرب منه كل ذي بنية سليمة.

فإن كان نظير الشعر الذي هجي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله شبيها لتمثيل رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه به، فلا شك أنه قد دل بتشبيهه إياه به عليه السلام أولي الألباب من أمته، على أن الواجب عليهم من اتقاء قليل ذلك وكثيره والحذر منه، نظير ما في فطرتهم وبنيتهم من اتقاء قليل ما أفسد أجوافهم وكثيره، وأورثها الداء، من القيح الذي يورثها الوري كثيره.

وفي كون ذلك كذلك صحة ما قلنا، وفساد ما خالفنا.

التالي السابق


الخدمات العلمية