صفحة جزء
1119 - حدثنا أحمد، نا محمد بن أحمد، نا عبد المنعم، عن أبيه، عن وهب بن منبه: [ ص: 506 ] أن الله تبارك وتعالى قال لشعيا: قم في قومك أوح على لسانك. فلما قام شعيا أنطق الله عز وجل على لسانه بالوحي، فقال: يا سماء استمعي، ويا أرض أنصتي. فاستمعت السماء وأنصتت الأرض. فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول لكم: إني استقبلت بني إسرائيل بالكرامة وهم كالغنم الضائعة لا راعي لها، فآويت شاذتها، وجمعت ضالتها، وجبرت كسيرها، وداويت مريضها، وأسمنت مهزولها، فبطرت، فتناطحت، فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح، إن الحمار ربما يذكر آريه الذي شبع عليه فيراجعه، وإن الثور ربما يذكر مرجه الذي سمن فيه فينتابه، وإن البعير ربما يذكر وطنه الذي نتج فيه فينزع إليه، وإن هؤلاء القوم لا يذكرون من أين جاءهم الخير وهم أهل الألباب والعقول، ليسوا بإبل ولا بقر ولا حمير، وإني ضارب لهم مثلا فاسمعوه، قل لهم: كيف ترون في أرض كانت زمانا من زمانها خربة مواتا لا زرع فيها ولا حرث، وكان لها رب قوي حليم، فأقبل عليها بالعمارة، فأحاط عليها سياجا، وشيد فيها قصورا، وأنبط فيها نهرا، وصنف فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار، وولى ذلك ذا رأي وهمة حفيظا قويا أمينا، فلما جاء إبان ثمرها أثمرت خرنوبا، ما كنتم قائلين له ومشيرين عليه؟ [قالوا] : كنا نقول له: بئست الأرض أرضك، ونشير عليه أن يقلع سياجها، ويهدم قصرها، [ ص: 507 ] ويدفن نهرها، ويحرق غرسها؛ حتى تعود خربة مواتا لا عمران فيها، فقال الله تبارك وتعالى: قل لهم: إن السياج ذمتي، وإن القصر شريعتي، وإن النهر كتابي، والقيم نبيي، وإن الغرس مثل لهم، والخرنوب أعمالهم الخبيثة، وإني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم، يتقربون إلي بذبح البقر والغنم وليس ينالني اللحم ولا آكله، ويدعون أن يتقربوا إلي بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرمتها عليهم، ويزوقون لي المساجد وليس بي إلى تزويقها حاجة، وإنما أمرت برفعها لأذكر فيها وأسبح، ويقولون: لو كان يقدر على أن يجمع ألفتنا لجمعها، ولو كان يقدر على أن يفقه قلوبنا لفقهها، فاعمد إلى عودين يابسين فاكتب فيهما كتابا: إن الله يأمركما أن تعودا عودا واحدا. قال: فقال لهما ذلك، فاختلطا، فصارا عودا واحدا، وصار الكتاب في طرفي العود [الواحد] كتابا واحدا. يا معشر بني إسرائيل! إن الله عز وجل يقول لكم: إني قدرت على أن أفقه العيدان اليابسة، وعلى أن أؤلف بينها؛ فكيف لا أقدر على أن أجمع ألفتكم إن شئت؟ أم كيف لا أقدر على أن أفقه قلوبكم؟ ! ويقولون: صمنا فلم يرفع صيامنا، وصلينا فلم تنور صلاتنا، وزكينا فلم تزك زكاتنا، ودعونا الله فلم يستجب لنا. فقال الله تعالى: سلهم لم ذلك؟ وما الذي منعني أن أجيبهم؟ ألست أسمع السامعين، وأبصر الناظرين، وأقرب المجيبين، وأرحم الراحمين؟ ألأن خزائني فنيت، ويداي مبسوطتان بالخير أنفق كيف أشاء؟ أم لأن ذات يدي قلت، كيف ومفاتيح الخير بيدي لا يفتحها ولا يغلقها غيري؟ أم لأن رحمتي ضاقت؟ كيف ورحمتي [ ص: 508 ] وسعت كل شيء؟ وإنما يتراحم المتراحمون ببعضها، أم لأن البخل يعتريني؟ كيف وأنا النفاح بالخيرات أجود من أعطى وأكرم من سئل، ولكن كيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور، ويتقوون عليه بطعمة الحرام؟ أم كيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحادني؟ أم كيف استجيب دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والعمل من ذلك بعيد؟ أم كيف تزكوا صدقاتهم وهي من أموال غيرهم؟ وإنما أجزي عليها المغتصبين، وإن من علامة رضاي رضا المساكين

التالي السابق


الخدمات العلمية