صفحة جزء
1222 - حدثنا أحمد، نا أحمد بن يوسف، نا محمد بن سلام الجمحي، عن الأصمعي: [ ص: 60 ] أن النعمان بن امرئ القيس الأكبر - وهو الذي بنى الخورنق - ركب يوما وأشرف على الخورنق، فنظر إلى ما حوله، فقال لمن حضره: هل علمتم أحدا أوتي مثل ما أوتيت؟ فقالوا: لا؛ إلا [أن] رجلا منهم ساكت لا يتكلم، وكان من حكمائهم، فقال له: ما لك لا تتكلم؟ فقال له: أيها الملك! إن أذنت لي تكلمت. فقال: تكلم. فقال: أرأيت ما جمعت؛ أشيء هو لك لم يزل ولا يزول، أم هو شيء كان لمن قبلك زال عنه وصار إليك، وكذلك يزول عنك؟ فقال: لا، بل كان لمن قبلي فزال عنه وصار إلي، وكذلك يزول عني. قال: فسررت بشيء تذهب [ ص: 61 ] عنك لذته غدا وتبقى تبعته عليك، تكون فيه قليلا وترتهن فيه كثيرا طويلا. قال: فبكى، وقال له: فأين المهرب؟ قال: إلى أحد أمرين: إما أن تقيم فتعمل بطاعة الله ربك عز وجل، وإما أن تلقي عليك أمساحا ثم تلحق بجبل وتفر من الناس وتقيم وحدك وتعبد ربك حتى يأتيك أجلك. قال: فإذا فعلت ذلك فما لي؟ قال: حياة لا تموت، وشباب لا يهرم، وصحة لا تسقم، وملك جديد لا يبلى. فقال له: أيها الحكيم! فكل ما أرى إلى فناء وزوال؟ ! قال: نعم. قال: فأي خير فيما يفنى؟ ! والله لأطلبن عيشا لا يزول أبدا. فانخلع عن ملكه، ولبس الأمساح، وسار في الأرض، وتبعه الحكيم؛ فعبدا الله عز وجل جميعا حتى ماتا، وهو الذي يقول فيه عدي بن زيد الشاعر:

تبين رب الخورنق إذا ما أشرف يوما وللهدي تفكير     سره حاله وكثرة ما يملك
والبحر معرضا والسدير     فارعوى قلبه وقال وما
غبطة حي إلى الممات يصير؟

وفيهم يقول الأسود بن يعفر:

ماذا أؤمل بعد آل محرق     تركوا منازلهم وبعد إياد
أرض الخورنق والسدير وبارق     والقصر ذي الشرفات من سنداد
نزلوا بأنقرة تسيل عليهم     ماء الفرات يجيء من أطواد
أرض تخيرها لطيب مقيلها     كعب بن مامة وابن أم دؤاد
جرت الرياح على محل ديارهم     فكأنهم كانوا على ميعاد
فأرى النعيم وكل ما يلهى به     يوما يصير إلى بلى ونفاد



[ ص: 62 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية