صفحة جزء
1993 - حدثنا أحمد، نا أبو بكر بن أبي الدنيا، نا محمد بن الحسين، عن عبد القاهر؛ قال: [ ص: 167 ] أوصى بعض الحكماء ابنه، فقال له: يا بني! إياك والتسويف لما تهم به من فعل الخير، فإن وقته إذا زال؛ لم يعد إليك، واحذر طول الأمل؛ فإنه هلاك الأمم، ولا تدفع الواجب بالباطل؛ فيدال منك سريعا، وكن في وقت الرحلة إلى الآخرة؛ تغتبط بالعاقبة، وتنكب العجلة فعلا وقولا، وتفهم ما قيل فيمن عرف بها، واعلم أنك الموقوف بها، إذا فعلتها؛ فاحذرها قبل أن تقع بك، واستعد لحريق الغضب بالأناة قبل أن تلتهب ناره في لحمك ودمك؛ فإن إطفاءه قبل استيثاره سريع، وإذا اشتعل؛ قبح محاسن ما كنت تجمل بها إن كنت سلطانا؛ فعقوبتك تكون من وراء المذنب، والغضب فضل لا وجه له، وإن كنت سوفه؛ فما قدر كلمة وإن بلغت منك في جنب ما يفوز به من عاجل الحمد، والطول على من نازعك بالعفو، إنه لا تسقط مكرمة ولا تخفى حسنة عن حامل لنشرها عنك فتكتسب جمالا، وتبرد بها اللهب الواصل لخزي يوم القيامة، وليس في وقت الرضى وصف الحلم، ولا عند الإمساك وصف حمد الجواد؛ وإنما نذكر بالشجاعة من مارس الحروب، واعلم يا بني! أن للمحامد محافلا، وللمحاسن أسواقا يبتاعها الناس، ثم يسير بها الركبان إلى البلدان والأمصار، فتعاهد نفسك لنفسك، فإن أخلاق المرء إذا صلحت؛ كانت كنوزا يبضع له [ ص: 168 ] بها في الآفاق، ويتعجل ما يسره من التعظيم، إن الفرائض في الأموال أقل منها في الأخلاق، وإنما قدرة المال ما صحبك وكان لك، وجاهلا بأخلاقك غير زائل عنك، والمال لباس والزمان يبليه، والعرض المصون لا تبلى حدته وبهجته.

التالي السابق


الخدمات العلمية