صفحة جزء
2551 - حدثنا أحمد، نا علي بن الحسن الربعي، نا محمد بن عبد الرحمن القرشي، عن أبيه؛ قال: كتب بعض الحكماء إلى ملك من الملوك: أيها الملك! إن أحق الناس بذم الدنيا وقلاها من بسط له فيها، وأعطي حاجته منها؛ لأنه يتوقع آفة تغدوا على ماله فتجتاحه أو على جمعه فتفرقه، أو تأتي سلطانه من القواعد فتهدمه، أو تدب إلى جسمه فتسقمه، أو تفجعه بمن [ ص: 203 ] هو ضنين به من أحبائه وأهل مودته؛ فالدنيا أحق بالذم من الآخرة، ما تعطى المراجعة فيما تهب، بينما هي تضحك صاحبها إذ أضحكت منه غيره، وبينما هي تبكي له إذا بكت عليه، وبينما هي تبسط كفه بالإعطاء إذ بسطتها بالمسألة، تعقد التاج على رأس صاحبها اليوم، وتعفره بالتراب غدا، سواء عليها ذهاب ما ذهب وبقاء ما بقي، تجد في الباقي من الذاهب خلفا، وترضى من كل بدلا؛ فأصبحت كالعروس المجلية؛ فالعيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة، والنفوس لها عاشقة، وهي لأزواجها كلهم قاتلة؛ فلا الباقي بالماضي معتبر، ولا الآخر على الأول منزجر، ولا العارف بالله حين أخبره عنها مدكر؛ فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته، فاغتر وطغى ونسي المعاد، فشغل فيها لبه حتى زلت به عنها قدمه، وعظمت ندامته، وكثرت حسراته، فاجتمعت عليه سكرات الموت بألمه، وحسرات الفوت بغصته، فذهب بكمده ولم يدرك منها ما طلب، ولم يرح نفسه من التعب؛ فخرج بغير زاد، وقدم على غير مهاد.

التالي السابق


الخدمات العلمية