صفحة جزء
2835 - حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا؛ قال: قال بعض الزهاد: إن لله تبارك وتعالى عبادا لم توسخ الدنيا قلوبهم، ولم تغلل بالجهل صدورهم، أولئك هم المدلون بقدرته، المتعجبون في عظمته، المتلذذون في حكمته، الذين شغلوا به دون الأشياء، وقدموه في المحبة على الآباء والأبناء؛ فمنحهم محبته تعالى وأوجب لهم رحمته، واستودعهم الأرض والسماء، ودفع بهم عن عباده البلاء، المؤنسون بصمتهم، المشوقون إلى رؤيتهم، ملأت محبة الله صدورهم؛ فليس يجدون للكلام شهوة؛ ولا لغير الأنس به لذة، نظرهم اعتبار، وإغضاؤهم ازدجار، لم يضيعوا عملا وجدوا له صحة، ولم يرضوا أنفسهم على نفيسها علة، ولم يثقوا بعمل خاطبهم عن لسان المعصية، ووعدهم التوبة درك الأمنية، ولم يجعلوا سعيهم عليهم حجة، شاهدوا الدنيا بأجسادهم، وغابوا عنها بقلوبهم؛ فلا الدنيا بإقامتهم فيها عرفتهم، ولا الآخرة بقدومهم جهلتهم، خرجوا من الدنيا ولم يدروا ما شكلها، كأن لم يكونوا فيها قط من أهلها.

[ ص: 410 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية