لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
وقوله ( ( وكل ما ) ) أي كل شيء وارد من صفات الله تعالى ( ( من نهجه ) ) أي نهج اليد والوجه ونحوهما ، والنهج الطريق الواضح أي كل ما ورد من الأصناف من الرجل والقدم والصورة ( ( و ) ) من ( ( عينه ) ) عز وجل ، فنهجه الواضح وسبيله المبين [ ص: 239 ] الإقرار بما ورد ، والإيمان بما صح من غير تشبيه ولا تمثيل ، ولا إلحاد ولا تعطيل ، بل نقر ونذعن ، ونسلم ونؤمن بكل ذلك ، ونثبته إثبات وجود بلا تكييف ولا تحديد ، فمن ذلك العين في قوله تعالى ولتصنع على عيني ، وقوله ( فإنك بأعيننا ) ، وقوله ( تجري بأعيننا ) ، فمذهب السلف إثبات ذلك صفة لله تعالى .

وفي الصحيحين وغيرهما لما ذكر الدجال عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله ليس بأعور " ففي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال " إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور ، إلا أن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية " هذا لفظ مسلم .

ولفظ صحيح البخاري من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : ذكر الدجال عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال " إن الله لا يخفى عليكم ، إن الله ليس بأعور - وأشار بيده إلى عينه - وأن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية " ، أخرجه البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه في باب قوله تعالى ولتصنع على عيني .

وذكر البخاري في حجة الوداع من كتاب المغازي من صحيحه ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : كنا نتحدث ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا ، فلا ندري ما حجة الوداع ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم ذكر المسيح الدجال ، فأطنب في ذكره ، وقال " ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته الدجال ، أنذره نوح والنبيون من بعده ، وإنه يخرج فيكم [ ص: 240 ] فما خفى عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم ، إن ربكم ليس بأعور ، وإنه أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية " . والأحاديث كثيرة .

قال البيهقي ، والقرطبي ، وغيرهما : في هذا نفي نقص العور عن الله تعالى ، وإثبات العين له صفة وعرفنا بقوله " ليس كمثله شيء " إنها ليست بحدقة

وقال علماؤنا : قد ورد السمع بإثبات صفة له تعالى ، وهي العين فتجري مجرى السمع والبصر ، وليس المراد إثبات عين ، هي حدقة ماهيتها شحمة لأن هذه العين من جسم محدث ، والله يتعالى عن ذلك ، وأما العين التي وصف بها الباري جل وعلا فهي مناسبة لذاته في كونها غير جسم ولا جوهر ولا عرض ، فلا يعرف لها ماهية ولا كيفية ، قالوا : وقد امتنعت المعتزلة والأشعرية ، من أن يقال لله تعالى عين ، فأما المعتزلة فنفوا العين والبصر ، فهم على جادتهم ، وأما الأشعرية فنفوا صفة العين ، وأثبتوا صفة البصر ، فيضعف ذلك على قولهم لأنهم يوافقون على أنه يبصر ببصر ، وإنما امتنعوا من تسمية عين لما استوحشوا من العين في الشاهد ، فقالوا بالتأويلات ، ومن المفاسد قياس الغائب على الشاهد .

وقال أهل التأويل : المراد من قوله تعالى تجري بأعيننا أي بمرأى منا ونحن نراها ، قالوا : أو المراد بأعيننا يحفظنا وكلاءتنا ، قالوا : أو المراد به أعين الماء أي تجري بأعين خلقناها وفجرناها فهي إضافة ملك وخلق لا إضافة صفة ذاتية ، أو المراد تجري بأوليائنا وخيار خلقنا ، وقالوا في قوله تعالى ولتصنع على عيني أي تربى وتغذى على مرأى منى ، وكذا " فإنك بأعيننا " أي بمرأى منا وفي حفظنا

وقال بعضهم : العين مؤولة بالبصر أو الإدراك ، بل قيل إنها حقيقة في ذلك ، خلافا لتوهم بعض الناس أنها مجاز ، قال وإنما المجاز في تسمية العضو بها ، وذكر الشيخ إبراهيم الكوراني في شرح منظومة شيخه الشيخ ( أحمد بن ) محمد المقدسي القشاشي ما لفظه : ثم وقفت من كلام الشيخ الأشعري في - الإبانة - الذي هو آخر مصنفاته ، والمعتمد في المعتقد على ما يشد أركان ما قررناه من مذهبه وذلك أنه قال : وأن له تعالى عينين بلا كيف ، وأن لله علما ، ونثبت لله السمع والبصر ، ولا ننفي ذلك كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ، قال الكوراني فصرح بإثبات العينين بلا كيف والحمد لله رب العالمين ، انتهى

وقال سيدنا الإمام أحمد [ ص: 241 ] - رضي الله عنه - أحاديث الصفات تمر كما جاءت من غير بحث عن معانيها ، ونخالف ما خطر في الخاطر عند سماعها ، وننفي التشبيه عن الله تعالى عند ذكرها مع تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - والإيمان بها ، وكل ما يعقل ويتصور فهو تكييف وتشبيه وهو محال - كما نقله عنه الإمام ابن حمدان في نهاية المبتدئين ، انتهى . وهذا مذهب السلف الأثرية فهو الحق ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية