لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
فائدة

ذكر الإمام شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية في كتابه الجواب الصحيح ما نصه : لما كان حلول اللاهوت في البشر واتحاده به مذهبا ضل به طوائف كثيرون من بني آدم : النصارى وغيرهم ، وكان المسيح الدجال يأتي بخوارق عظيمة ، والنصارى احتجوا على إلاهية المسيح بمثل ذلك ، ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من علامات كذبه أمورا ظاهرة لا يحتاج فيها إلى بيان موارد النزاع التي ضل فيها خلق كثير من الآدميين ، فإن كثيرا من الناس ، بل أكثرهم تدهشهم الخوارق حتى يصدقوا صاحبها قبل النظر في إمكان دعواه ، وإذا صدقوه صدقوا النصارى في دعوى إلاهية المسيح ، وصدقوا أيضا من ادعى الحلول والاتحاد في بعض المشايخ أو بعض أهل البيت أو غيرهم من أهل الإفك والفجور .

قال شيخ الإسلام - روح الله روحه - وبهذا يظهر الجواب عما أورده بعض أهل الكلام كالرازي على هذا الحديث ، حيث قالوا : دلائل كون الدجال ليس هو الله ظاهرة ، فكيف يحتج النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك بقوله : إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ؟ قال شيخ الإسلام : وهذا السؤال يدل على جهل قائله بما يقع فيه بنو آدم من إضلال الأدلة البينة التي تبين فساد الأقوال الباطلة ، وإلا فإذا كان بنو إسرائيل في عهد موسى - عليه السلام - ظنوا أن العجل هو إله موسى ، فقالوا : هذا إلهكم وإله موسى ، وظنوا أن موسى نسيه ، والنصارى مع كثرتهم يقولون : إن المسيح هو الله ، وفي المنتسبين إلى القبلة خلق كثير يقولون ذلك في كثير من المشايخ أو أهل البيت ، حتى إن كثيرا من أكابر شيوخ المعرفة أو التصوف يجعلون هذا نهاية التحقيق والتوحيد ، وهو أن يكون الموحد هو الموحد فكيف يستبعد مع [ ص: 242 ] إظهار الدجال هذه الخوارق العظيمة أن يعتقد فيه أنه الله ؟ وهو يقول : أنا الله ، وقد اعتقد ذلك في من لم يظهر فيه مثل خوارقه من الكذابين ، وفي من لم يقل أنا الله كالمسيح ، وسائر الأنبياء والصالحين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية