لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الثاني ) قد قدمنا أن التقليد الصحيح محصل للعلم ، بمعنى أن المقلد تقليدا صحيحا لا يصدق بما ألقي إليه من العقائد إلا بعد انكشاف صدقها عنده من غير أن يكون له دليل عليها ، وقد جاء في محكم الذكر ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) ، وأخرج ابن المبارك في الزهد ، وعبد الرزاق ، والفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن [ ص: 273 ] المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن أبي جعفر المدائني - رجل من بني هاشم ، وليس هو محمد بن علي - قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية ، قال : كيف يشرح صدره للإسلام يا رسول الله ؟ قال " نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح " ، قالوا فهل لذلك من أمارات يعرف بها ؟ قال " الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت "

قال الحافظ السيوطي في هذا الحديث : مرسل له شواهد كثيرة متصلة ومرسلة يرتقي بها إلى درجة الصحة أو الحسن .

وكما كان قذف النور في القلب موجبا لانشراح الصدر وانفساح القلب ، كان قذفه مستلزما لجعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه ، سواء كان ثم استدلال أو لا ، وكلما تصفت من كدوراتها ، واتصفت بالصفات المذكورة ، كان قبولها للعقائد الخفية أشد ، وإذعانها لها أحرى لكون ذلك النور المقذوف في القلب كاشفا لعين البصيرة عن صدق ما أخبر به من العقائد كشفا يحمله على الإذعان والانقياد والتصديق به وحسن الاعتقاد ، بحيث يصير ضروريا حتى لو رام الانفكاك عنه ، لم يجد له إليه سبيلا ، وإن لم يكن ثم نظر ولا استدلال .

التالي السابق


الخدمات العلمية