لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء

( ( ونحن أيضا في إيماننا نستثني من غير شك فاستمع واستبن ) )

( ( ونحن ) ) معشر الأثرية ومن وافقنا من الأشعرية وغيرهم ( ( في إيماننا ) ) الذي تقدم تعريفه ( ( نستثني ) ) فيقول أحدنا أنا مؤمن إن شاء الله ( ( من غير شك ) ) منا في ذلك ، والشك التردد بين طرفين لا مزية لأحدهما على الآخر ، والمراد هنا ما يعم الظن وكل ما ليس بجزم موافقة للسلف الصالح في ذلك ( ( فاستمع ) ) أي اطلب سماع ذلك واستقباله ( ( واستبن ) ) أي اطلب بيانه وإظهاره بأدلته النقلية والعقلية تظهر لك فيه [ ص: 432 ] الحقيقة ، واعلم أن الناس في ذلك على ثلاثة أقوال منهم من يوجبه ومنهم من يحرمه ، ومنهم من يجوز الأمرين باعتبارين وهذا الأخير أصح الأقوال ، فالذين يحرمونه هم المرجئة والجهمية ومن وافقهم ممن يجعل الإيمان شيئا واحدا يعلمه الإنسان من نفسه كالتصديق بالرب ، ونحو ذلك مما في قلبه فيقول أحدهم أنا أعلم أني مؤمن كما أعلم أني تكلمت بالشهادتين ، وكما أعلم أني قرأت الفاتحة وكما أعلم أني أحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأني أبغض اليهود والنصارى ، فقولي أنا مؤمن كقولي أنا مسلم ، ونحو ذلك من الأمور الحاضرة التي أنا أعلمها وأقطع بها ، وكما أنه لا يجوز أن يقال : أنا قرأت الفاتحة إن شاء الله ، كذلك لا يقول : أنا مؤمن إن شاء الله ، لكن إذا كان يشك في ذلك فيقول فعلته إن شاء الله ، قالوا : فمن استثنى في إيمانه فهو شاك فيه وسموهم الشاكة ، والذين أوجبوا الاستثناء لهم مأخذان أحدهما أن الإيمان هو ما مات عليه الإنسان ، والإنسان إنما يكون عند الله مؤمنا وكافرا باعتبار الموافاة ، وما سبق في علم الله أنه يكون عليه وما قبل ذلك لا عبرة به ، قالوا : والإيمان الذي يتعقبه الكفر فيموت صاحبه كافرا ليس بإيمان كالصلاة التي يفسدها صاحبها قبل الكمال ، وكالصيام الذي يفطر صاحبه قبل الغروب ، فصاحب هذا هو عند الله كافر بعلمه بما يموت عليه ، وكذلك قالوا في الكفر ، وهذا المأخذ لكثير من المتأخرين من الكلابية وغيرهم ممن يريد أن ينصر أهل الحديث في قولهم أنا مؤمن إن شاء الله ، ويريد من ذلك أن يجعل الإيمان لا يتفاضل ، والإنسان لا يشك في الموجود منه ، وإنما يشك في المستقبل ، وبهذا قال كثير من المتكلمين ومن أتباع المذاهب من الحنابلة ، والشافعية ، والمالكية وغيرهم قالوا يحب في أزله من كان كافرا إذا علم أنه يموت مؤمنا ، ما زالوا محبوبين لله ، وإن كانوا قد عبدوا الأصنام مدة من الدهر ، وإبليس ما زال يبغضه ، وإن كان لم يكفر بعد ، يعني ما زال الله يريد أن يثيب هؤلاء بعد إيمانهم ويعاقب إبليس بعد كفره ، وهذا معنى صحيح فإن الله يريد أن يخلق كل ما علم أن سيخلقه ، وعند هؤلاء لا يرضى عن أحد بعد أن كان ساخطا عليه فمن علم أنه يموت كافرا لم يزل مريدا [ ص: 433 ] لعقوبته ، والإيمان الذي كان معه باطل لا فائدة فيه بل وجوده كعدمه ، وإذا علم أنه يموت مسلما لم يزل مريدا لإثابته ، والكفر الذي فعله وجوده كعدمه فلم يكن هذا كافرا عندهم أصلا . فهؤلاء يستثنون من الإيمان بناء على المأخذ وكذلك بعض محققيهم يستثنون في الكفر مثل أبي منصور الماتريدي ، كما نقله عنه شيخ الإسلام ، نعم جماهير الأئمة لا يستثني في الكفر ، والاستثناء فيه بدعة لم يعرف عن أحد من السلف ، ولكن هؤلاء لازم لهم ، والذين فرقوا من هؤلاء قالوا : نستثني في الإيمان رغبة إلى الله أن يثبتنا عليه إلى الموت ، والكفر لا يرغب فيه أحد ، قال شيخ الإسلام : وعند هؤلاء لا يعلم أحد أحدا مؤمنا إلا إذا علم أنه يموت عليه ، وهذا القول قاله الكثير من أهل الكلام ووافقهم على ذلك كثير من أتباع الأئمة .

قال : ولكن ليس هذا قول أحد من السلف لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم ولا كان أحد من السلف الذين يستثنون في الإيمان يعللون بهذا لا الإمام أحمد ولا من كان قبله ، قال : ومأخذ هذا القول طرد طائفة ممن كانوا في الأصل يستثنون في الإيمان اتباعا للسلف ، وكانوا قد أخذوا الاستثناء عن السلف ، وكان أهل الشام شديدين على المرجئة ، وكان محمد بن يوسف الفريابي صاحب الثوري مرابطا بعسقلان لما كانت عامرة وكانت من خيار ثغور المسلمين وكانوا يستثنون اتباعا للسلف واستثنوا أيضا في الأعمال الصالحة كقول الرجل صليت إن شاء الله ونحو ذلك ، يعني القبول لما في ذلك من الآثار عن السلف ، ثم صار كثيرا من هؤلاء يستثنون في كل شيء فيقول : هذا ثوبي إن شاء الله ، وهذا جبل إن شاء الله ، فإذا قيل لأحدهم هذا لا شك فيه ، قال : نعم لا شك فيه ، لكن إذا شاء الله أن يغيره غيره فيريدون بقولهم إن شاء الله جواز تغييره في المستقبل ، وإن كان في الحال لا شك فيه كأن الحقيقة عندهم التي لا يستثنى فيها ما لم تتبدل كما يقوله أولئك في الإيمان أن الإيمان ما علم الله أنه لا يتبدل حتى يموت صاحبه عليه ، قال : وهذا القول قاله قوم من أهل العلم والدين باجتهاد ونظر ، وهؤلاء الذين يستثنون في كل شيء تلقوا ذلك عن بعض أشياخهم ، وشيخهم الذي ينتسبون إليه يقال له أبو عمرو [ ص: 434 ] عثمان بن مرزوق لم يكن ممن يرى هذا الاستثناء بل كان في الاستثناء على طريقة من قبله ، ولكن أحدث ذلك بعض أصحابه وكان شيخهم منتسبا إلى الإمام أحمد - رضي الله عنه - وهو من أتباع عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج المقدسي ، وأبو الفرج من تلامذة القاضي أبي يعلى . قلت : وهو الذي نشر مذهب أحمد في نواحي جبل نابلس وهو الإمام أبو الفرج الشيرازي - قدس الله روحه - اسمه عبد الوهاب الفقيه الزاهد الأنصاري السعدي العبادي الخزرجي شيخ الشام في وقته ، وهذا البيت يعرف ببيت الحنبلي ، وكان أبو الفرج إماما عالما بالفقه والأصول شديدا في السنة زاهدا عارفا عابدا متألها ذا أحوال وكرامات ظاهرة ، وكان قد صحب القاضي أبا يعلى سنة نيف وأربعين وأربعمائة ، وتردد إلى مجلسه سنين عدة وعلق عنه أشياء في الأصول والفروع ، ثم قدم الشام وحصل له الأتباع ، والتلاميذ والغلمان ، وكان ناصرا لمذهبنا متجردا لنشره ، وله تصانيف في الفقه والوعظ والأصول ، توفي يوم الأحد ثامن عشر ذي الحجة سنة ست وثمانين وأربعمائة بدمشق ، ودفن بمقبرة باب الصغير ، وإلى جنبه الحافظ ابن رجب وقد زرتهما كثيرا - رحمهما الله ورضي عنهما . وهؤلاء الذين يستثنون في كل شيء كلهم ، وإن كانوا منتسبين إلى الإمام أحمد - رضي الله عنه - فهم يوافقون ابن كلاب على أصله الذي كان الإمام أحمد ينكره عليه ، وعلى سائر أتباعه الكلابية وأمر بهجر الإمام الحارث المحاسبي صاحب الرعاية من أجله ، كما يوافقه على أصله طائفة من أصحاب الإمامين مالك ، والشافعي - رضي الله عنهما - بل وأصحاب الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - كأبي المعالي الجويني الشافعي وأبي الوليد الباجي المالكي ، وأبي منصور الماتريدي الحنفي وغيرهم ، وهذه الطائفة المتأخرة تنكر أن يقال : " قطعا " في شيء من الأشياء مع غلوهم في الاستثناء حتى صار هذا اللفظ - يعني قطعا - منكرا عندهم ، وإن جزموا بالمعنى فيجزمون بأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبيهم وأن الله ربهم ولا يقولون : قطعا . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - في كتابه الإيمان والإسلام : وقد اجتمع بي طائفة منهم فأنكرت عليهم ذلك وامتنعت من فعل مطلوبهم حتى يقولوا " قطعا " [ ص: 435 ] وأحضروا لي كتابا فيه أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يقول الرجل : قطعا ، وهي أحاديث موضوعة مختلفة قد افتراها بعض المتأخرين .

وهؤلاء وأضرابهم ظنوا أن ما هم عليه هو قول السلف ، وليس كذلك مع أن هذا لم يقله أحد من السلف ، وإنما حكاه هؤلاء عنهم بحسب ظنهم ، والذين قالوا بالموافاة جعلوا الثبات على الإيمان إلى العاقبة ، والوفاء به المآل شرطا في الإيمان شرعا لا لغة ولا عقلا ، حتى إن الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة كان يغلو في هذا ويقول من يقول أنا مؤمن حقا فهو مبتدع .

قال شيخ الإسلام : ومذهب أصحاب الحديث كابن مسعود وأصحابه ، والثوري وابن عيينة وأكثر علماء الكوفة ويحيى بن سعيد القطان ، فيما يرويه عن علماء البصرة ، والإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة كانوا يستثنون في الإيمان ، وهذا متواتر عنهم لكن ليس في هؤلاء من قال : إنما نستثني لأجل الموافاة وإن الإيمان إنما هو اسم لما يوفى به بل صرح أئمة هؤلاء بأن الاستثناء إنما هو لأن الإيمان يتضمن فعل جميع الواجبات فلا يشهدون لأنفسهم بذلك كما لا يشهدون لها بالبر والتقوى ، فإن ذلك مما لا يعلمونه وهو تزكية لأنفسهم بلا علم . قال شيخ الإسلام : وأما الموافاة فما علمت أحدا من السلف علل بها الاستثناء . نعم ، كثير من المتأخرين يعلل بها من أصحاب الحديث من أصحاب الإمام أحمد والشافعي ومالك وغيرهم - رضي الله عنهم - .

قال شيخ الإسلام : وأكثر الناس يقولون بل هو إذا كان كافرا فهو عدو الله ثم إذا آمن واتقى صار وليا لله . فمأخذ سلف الأئمة في الاستثناء أن الإيمان المطلق فعل جميع المأمورات ، وترك جميع المحظورات ، فإذا قال الرجل : أنا مؤمن بهذا الاعتبار ، فقد شهد لنفسه بأنه من الأبرار المتقين القائمين بفعل جميع ما أمروا به وترك كل ما نهوا عنه فيكون من أولياء الله - تعالى ، وهذا تزكية الإنسان لنفسه وشهادته لها بما لا يعلم ولو كانت هذه الشهادة صحيحة لساغ أن يشهد لنفسه بالجنة إن مات على هذه الحال ولا أحد يسوغ له [ ص: 436 ] بذلك فهذا مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون ، وإن جوزوا ترك الاستثناء ، قال الخلال في كتاب السنة : ثنا سليمان بن الأشعث - يعني الإمام الحافظ أبا داود صاحب السنن - قال : سمعت أبا عبد الله - يعني الإمام أحمد رضي الله عنه - قال له رجل : قيل لي أمؤمن أنت ؟ قلت : نعم ، هل علي في ذلك شيء ؟ هل الناس إلا مؤمن ، أو كافر ؟ فغضب الإمام أحمد وقال : هذا كلام الإرجاء قال الله - تعالى - : وآخرون مرجون لأمر الله من هؤلاء ؟ ثم قال الإمام أحمد : أليس الإيمان قولا وعملا ؟ قال له الرجل : بلى ، قال : فجئنا بالقول ؟ قال : نعم ، قال : فجئنا بالعمل ؟ قال : لا ، فكيف تعيب أن يقول إن شاء الله ويستثني ؟ قال أبو داود : أخبرني أحمد بن شريح أن الإمام أحمد - رضي الله عنه - كتب إليه في هذه المسألة أن الإيمان قول وعمل فجئنا بالقول ولم نجئ بالعمل ، ونحن نستثني في العمل .

وكان سليمان بن حرب يحمل هذا على التقبل يقول نحن نعمل ولا ندري يقبل منا أم لا ؟ قال شيخ الإسلام : والقبول متعلق بفعله كما أمر ، فمن فعل كما أمر فقد تقبل منه ، لكن هو لا يجزم بالقبول لعدم جزمه بكمال الفعل كما قال الله - تعالى - : والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة قالت عائشة - رضي الله عنها - : يا رسول الله هو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف ؟ قال : " لا يا بنت الصديق بل هو الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ، ويخاف ألا يتقبل منه " وقال الإمام أحمد : أذهب إلى حديث ابن مسعود في الاستثناء في الإيمان ; لأن الإيمان قول وعمل ، والعمل الفعل فقد جئنا بالقول ، ونخشى أن نكون فرطنا في العمل فيعجبني أن يستثني في الإيمان يقول أنا مؤمن إن شاء الله . وقال في رواية الميموني : أقول مؤمن إن شاء الله ومؤمن أرجو ; لأنه لا يدري كيف البراءة للأعمال على ما افترض عليه أم لا . ومثل هذا كثير في كلام الإمام أحمد - رضي الله عنه - وفي كلام أمثاله من أئمة السلف ، وهذا مطابق لما تقدم من أن المؤمن المطلق هو القائم بالواجبات المستحق للجنة إذا مات على ذلك ، وأن المفرط بترك الأمور ، أو فعل المحظور لا يطلق عليه أنه مؤمن مطلقا ، وأن المؤمن المطلق هو البر التقي ولي الله ، فإذا قال : أنا مؤمن قطعا ، كان كقوله : أنا بر تقي ولي الله قطعا ، وقد كان الإمام أحمد وغيره من السلف مع هذا [ ص: 437 ] يكرهون سؤال الرجل لغيره أمؤمن إن شاء الله ويكرهون الجواب ; لأن هذه بدعة أحدثتها المرجئة ، ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يقول : أنا مؤمن بلا استثناء إذا أراد ذلك ، لكن ينبغي أن يقرن كلامه بما يبين أنه لم يرد الإيمان المطلق الكامل ; ولهذا كان الإمام أحمد - رضي الله عنه - يكره أن يجيب على المطلق بلا استثناء تقدمه . وقال المروذي : قيل لأبي عبد الله نقول : نحن المؤمنون ؟ قال : نحن المسلمون . ومع هذا فلم يكن ينكر على من ترك الاستثناء إذا لم يكن قصده فعل المرجئة أن الإيمان مجرد القول بل يتركه ، لما يعلم أن في قلبه إيمانا ، وإن كان لا يجزم بكل إيمانه .

وقال الخلال : أخبرني أحمد بن أصرم المزني أن أبا عبد الله قيل له إذا سألني الرجل فقال : أمؤمن أنت ؟ قال : قل له سؤالك إياي بدعة ، ولا شك في إيماني ، أو قال : لا نشك في إيماننا .

قال المزني : وحفظي أن أبا عبد الله قال أقول كما قال طاوس : آمنت بالله وملائكته ورسله . فقد أخبر الإمام أحمد أنه قال : لا نشك في إيماننا ، وإن السائل لا يشك في إيمان المسئول وهذا أبلغ ، وهو إنما يجزم بأنه مقر مصدق بما جاء به الرسول لا أنه قائم بالواجب ، فعلم أن الإمام أحمد وغيره من السلف كانوا يجزمون ولا يشكون في وجود ما في القلوب من الإيمان في هذه الحال ، ويجعلون الاستثناء عائدا إلى الإيمان المطلق المتضمن فعل المأمور ، ويحتجون أيضا بجواز الاستثناء في ما لا شك فيه ، وهذا مـأخذ ثان ، وإن كنا لا نشك في ما في قلوبنا من الإيمان ، فالاستثناء في ما يعلم وجوده مما قد جاءت به السنة لما فيه من الحكمة قال - تعالى - : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله وقال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه " إني لأرجو أن أكون أتقاكم لله " وقال في الميت : " وعليه يبعث إن شاء الله " وقال - صلى الله عليه وسلم - لما وقف على المقابر : " وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " وقوله : " إني اختبأت دعوتي وهي نائلة إن شاء الله من لا يشرك بالله شيئا " وهذا كثير ، وفي الصحيحين أن سليمان بن داود - عليهما السلام - قال : لأطوفن الليلة على مائة امرأة ، كل منهن تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله . فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل ، فلم يحمل منهن إلا امرأة جاءت بشق رجل ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفسي [ ص: 438 ] بيده لو قال : إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون " ، فإذا قال : إن شاء الله ؛ لم يشك في طلبه وإرادته بل لتحقيق الله ذلك له إذ الأمور لا تحصل إلا بمشيئة الله ، فإذا تألى العبد على الله من غير تعليق بمشيئته لم يحصل مراده ، فإنما من يتألى على الله يكذبه ، ولهذا يروى " لا أتممت لمقدر أمرا " وقيل لبعضهم بما عرفت ربك ؟ قال : بفسخ العزائم ونقض الهمم . وقد قال - تعالى - : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله . وفي شرح مختصر التحرير : يجوز الاستثناء في الإيمان بأن يقول أنا مؤمن إن شاء الله نص على ذلك الإمام أحمد ، والإمام الشافعي ، وحكي عن ابن مسعود - رضي الله عنهم - ، وقال ابن عقيل : يستحب ولا يقطع لنفسه ، ومنع ذلك الإمام أبو حنيفة وأصحابه والأكثرون ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية