لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( فوائد في متعلقات السيد المسيح عليه السلام )

( الأولى ) في حليته وسيرته ، أما حليته فعند البخاري من حديث عقيل بن خالد أنه أحمر جعد عريض الصدر . وفي رواية آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال سبط ينطف - بكسر الطاء المهملة أي يقطر - زاد في رواية : له لمة - أي بكسر اللام وتشديد الميم - أحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها - بتشديد الجيم أي سرحها - وفي رواية - لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء . وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا : " ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس - زاد في حديث أبي هريرة بنحوه : كأنما خرج من ديماس - يعني الحمام - ولا منافاة بين الحمرة والأدمة لجواز أن تكون أدمته صافية كما مر : لا يجد ريح نفسه كافر إلا مات .

وأما سيرته فيكسر الصليب ويقتل الخنزير كما تقدم ويقتل القرد ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام ويتحد الدين فلا يعبد إلا الله ، ويترك الصدقة أي الزكاة لعدم من يقبلها ، وتظهر الكنوز في زمنه ولا يرغب في اقتناء المال ، ويرفع الشحناء والتباغض وينزع الله سم كل ذي سم حتى تلعب الأولاد بالحيات والعقارب فلا تضرهم ، وترعى الشاة مع الذئب فلا يضرها ، وتملأ الأرض سلما - وينعدم القتال ، وتنبت الأرض نبتها كعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم ، وكذا الرمانة ، وترخص الخيل لعدم القتال ، ويغلو الثور لأن الأرض تحرث كلها . ويكون مقررا لشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا أنه رسول لهذه الأمة كما مر ، ويكون [ ص: 96 ] قد علم أحكام هذه الشريعة بأمر الله تعالى وهو في السماء قبل أن ينزل .

وزعم بعض العلماء أن بنزول سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام يرفع التكليف . وهذا مردود للأخبار الواردة أنه يكون مقررا لأحكام هذه الشريعة ومجددا لها إذ هي آخر الشرائع ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم آخر الرسل ، والدنيا لا تبقى بلا تكليف ، فإن بقاء الدنيا إنما يكون بمقتضى التكليف إلى أن لا يقال في الأرض الله الله ، ذكره القرطبي في تذكرته .

وفي الحديث أنه قال صلى الله عليه وسلم : وتسلب قريش ملكها . قال الحافظ السخاوي في كتابه القناعة وابن حجر في القول المختصر : معنى ذلك لا يبقى لقريش اختصاص بشيء دون مراجعته فلا يعارض ذلك خبر " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان " . قال البرزنجي في الإشاعة : ويدل لهذا حديث جابر عند مسلم " فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضهم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة " وعلى هذا فلا منافاة أن يكون المهدي أميرا حتى في زمن عيسى عليه السلام ويكون مراجعته في الأمور لعيسى عليه السلام للتبرك والتيمن به .

فإن قلت كيف يصح خبر لا يزال هذا الأمر في قريش مع مشاهدتنا انفصال قريش عن الملك منذ أزمان ، فالجواب استحقاقها لهذا الأمر وإن ظلمها ظالم .

وأما عيسى فيظهر كمال العدل فلا يأخذ حقهم وربما أن يكون بقاء الأمر في قريش ولو مراجعة ، ولا شك أن قريشا يراجعون ، على أن ملوك زماننا يزعمون أنهم إنما يتملكون بالنيابة عن قريش ويعملون صورة نيابة عن نقيب السادة الأشراف على أن لبني هاشم استقلالا بالأمر في محلات كالحجاز واليمن والمغرب وغيرها .

ثم إنه لا يخفى أنه لا يحسن أن يقول إن الأمر في أيام عيسى يكون للمهدي مع كون عيسى رسولا من أولي العزم معصوما والمهدي رجل مجتهد ، نعم يكون المهدي من خواص السيد عيسى بل وزيره والمقرب لديه يراجعه في الأمور وتصدر عنه الشورى وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية