لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( التنبيه الثالث )

قد ورد من حديث أنس رضي الله عنه عند ابن مردويه وغيره أن الدواوين تطوى والأقلام تجف ولا يزاد في حسنة ولا ينقص من سيئة .

وفي كلام بعضهم ولا يكتب عمل بعد ذلك وأنهم إذا عملوا عملا فأجسامهم تشهد عليهم كما ورد عن عائشة رضي الله عنها : إذا خرجت أول الآيات تعني طلوع الشمس من المغرب طرحت الأقلام وطويت الصحف وخلصت [ ص: 143 ] الحفظة وشهدت الأجساد على الأعمال . رواه عبد بن حميد والطبري بسند صحيح .

وعند نعيم بن حماد عن ابن حماد عن ابن عمرو فيناديهم مناد : يا أيها الذين آمنوا قد قبل منكم ، ويا أيها الذين كفروا قد أغلق عنكم باب التوبة وجفت الأقلام وطويت الصحف .

وروي من طريق يزيد بن شريح وكثير بن مرة : إذا طلعت الشمس من المغرب يطبع على القلوب بما فيها وترفع الحفظة وتؤمر الملائكة أن لا يكتبوا عملا .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال الآية التي تختم الأعمال بها طلوع الشمس من مغربها .

فهذه آثار يشد بعضها بعضا متفقة على أنه إذا طلعت الشمس من المغرب أغلق باب التوبة ولم يفتح بعد ذلك ولا يختص ذلك بيوم طلوعها بل يمتد إلى يوم القيامة خلافا لمن زعم من العلماء أنه يمتنع قبول الإيمان والتوبة وقت طلوع الشمس من المغرب أي في تلك الحالة ، قالوا وأما من تاب بعد ذلك أو أسلم قبل ذلك منه .

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما ملخصه : الذي دلت عليه الأحاديث الثابتة الصحاح والحسان أن قبول التوبة مغيا بطلوع الشمس من مغربها ، ومفهومها أنها بعد ذلك لا تقبل بل قد جاء في بعض الروايات التصريح بعدم القبول كما عند الإمام أحمد ، والطبري ، والطبراني ، عن مالك بن يخامر ، ومعاوية ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عمرو . رفعوه : لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفي الناس العمل .

وقد مر من الأخبار والآثار ما يفيد ذلك إفادة صريحة لا تحتمل التأويل ، ويؤيد ذلك ما يأتي من أن إبليس يخر ساجدا وأن الدابة تقتله فإنه لا يموت إلا عند الفراغ من العمل ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية