لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( النفخة الثانية ) :

نفخة الصعق ، وفيها هلاك كل شيء ، قال تعالى : ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) وقد فسر الصعق بالموت ، وفي الحديث المتقدم الذي رواه ابن جرير ، وما عطف عليه من حديث أبى هريرة رضي الله عنه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ نفخة الصعق فيصعق أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله فيقول الله وهو أعلم : فمن بقي ؟ فيقول : أي رب بقيت أنت الحي القيوم الذي لا يموت ، وبقيت حملة العرش ، وبقي جبريل ، وميكائيل ، وبقيت أنا ، فيقول الله تعالى : فليمت جبريل وميكائيل فيموتان ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار فيقول قد مات جبريل وميكائيل ، فيقول الله تعالى فليمت حملة العرش ، فيموتون ، ويأمر الله العرش أن يقبض الصور من إسرافيل ، فيموت ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار فيقول : ربي قد مات حملة العرش ، فيقول وهو أعلم : فمن بقي ؟ فيقول : أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت أنا ، فيقول :

أنت خلق من خلقي خلقتك لما رأيت فمت ، فيموت ، فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار طوى السماء والأرض كطي السجل للكتب ، وقال :

" أنا الجبار ، لمن الملك اليوم " ثلاث مرات ، فلم يجبه أحد ، ثم يقول لنفسه " لله الواحد القهار "

وتبدل الأرض غير الأرض والسموات ، فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم لا ترى فيها عوجا ، ولا أمتا
" الحديث .

وأخرج أبو الشيخ عن وهب قال :

هؤلاء الأربعة أملاك - جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت - أول من خلقهم الله ، وآخر من يميتهم ، وأول من يحييهم ، هم المدبرات أمرا ، والمقسمات أمرا .

قال أبو عبد الله القرطبي :

والصور قرن من نور يجعل فيه أرواح الخلائق . وقال ماجد : كالبوق . ذكره البخاري ، وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما :

جاء أعرابي إلى النبي صلى [ ص: 164 ] الله عليه وسلم فقال : ما الصور ؟ قال : " قرن ينفخ فيه " ، قال الترمذي : حديث حسن .

وأخرج الترمذي أيضا وحسنه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :

" كيف أنعم ، وصاحب الصور قد التقم القرن ، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ "
فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم :

" قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل " . وأخرج الإمام عبد الله بن المبارك ، ومؤمل بن إسماعيل ، وعلي بن معبد عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - حديثا مرفوعا فيه " ثم يقوم ملك الصور بين السماء والأرض فينفخ فيه - والصور قرن - فلا يبقى خلق في السماوات والأرض إلا مات ، إلا من شاء ربك " . الحديث .

وأخرج الشيخان ، وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا " يقبض الله الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك ، أين الملوك ؟ .

وأخرج مسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ " وسيأتي أن من لم يخلق للفناء لم يفن ، كالجنة وما فيها من الحور العين والولدان ، وكذا النار وما فيها من الحيات والعقارب والخزان ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية