لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
وقد اختلف في معنى محاسبته تعالى عباده على ثلاثة أقوال ( أحدها ) : أنه يعلمهم ما لهم وعليهم كما تقدم ، قال بعض العلماء بأن يخلق الله في قلوبهم علوما ضرورية بمقادير أعمالهم من الثواب والعقاب ( الثاني ) : ونقل عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن يوقف الله تعالى عباده بين يديه ويؤتيهم كتب أعمالهم فيها سيئاتهم وحسناتهم فيقول : هذه سيئاتكم وقد تجاوزت عنها ، وهذه حسناتكم وقد ضاعفتها لكم ( الثالث ) : أن يكلم الله عباده في شأن أعمالهم ، وكيفية ما لها من الثواب ، وما عليها من العقاب ، وفي هذا من صحيح الأخبار وصريح الآثار ما يقلع شرور من في قلبه نوع اختلاج أصل كل شبهة وبدعة ، فقد أخرج الترمذي من حديث أبي برزة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :

" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه ما عمل به ، وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه ) قال الترمذي :

حديث حسن صحيح ، ورواه البزار والطبراني بإسناد صحيح من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه ، ولفظه " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال ، عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه " . وفي الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت :

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من نوقش الحساب عذب " فقلت :

أليس يقول الله (
فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا ) فقال :

" إنما ذلك العرض ، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك
.

ورواه أبو داود ، والترمذي ، وغيرهما .

ورواه البزار والطبراني في الكبير بإسناد صحيح من حديث ابن الزبير - رضي الله عنهما - ولفظه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من نوقش الحساب هلك . وفي صحيح مسلم ، وسنن الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :

" لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " .

ورواه الإمام أحمد ، ولفظه " يقتص للخلق بعضهم من بعض حتى للجماء من القرناء ، وحتى للذرة من الذرة " ، ورواته رواة [ ص: 173 ] الصحيح ، الجلحاء والجماء التي لا قرن لها .

وأخرج الإمام أحمد أيضا عن أبي هريرة أيضا - رضي الله عنه - قال :

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ليختصمن كل شيء يوم القيامة حتى الشاتان فيم انتطحا " وإسناده حسن .

ورواه الإمام أحمد أيضا ، وأبو يعلى من حديث أبي سعيد . وفي حديث عبد الله بن أنيس - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول " يحشر الله العباد يوم القيامة - أو قال : الناس - عراة غرلا بهما - قال قلنا : وما بهما ؟ قال : ليس معهم شيء ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب :

أنا الديان ، أنا الملك ، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقضيه منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقضيه منه ، حتى اللطمة " قال : قلنا : كيف وإنما نأتي عراة غرلا بهما ؟ قال : " الحسنات ، والسيئات
" رواه الإمام أحمد بإسناد حسن ، وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة ، وصيام ، وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " . وفي هذا أحاديث كثيرة وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية