[ ص: 187 ]    ( الثاني )  
اختلف في الموزون ، قيل : يوزن العبد مع عمله ، وقيل توزن نفس الأعمال فتصور الأعمال الصالحة بصورة حسنة نورانية ثم تطرح في كفة النور ، وهي اليمنى المعدة للحسنات ، فتثقل بفضل الله سبحانه ، وتصور الأعمال السيئة بصورة قبيحة ظلمانية ثم تطرح في الكفة المظلمة ، وهي الشمال المعدة للسيئات ، فتخفف بعدل الله سبحانه كما جاء به الحديث ، فامتناع قلب الحقائق في مقام خرق العادات غير ملتفت إليه كما لا يخفى ، وقيل :  
إن الله تعالى يخلق أجساما على عدد تلك الأعمال من غير قلب لها .  
والحق ما قدمناه ؛ أن  
الموزون صحف الأعمال  ، وصححه  
 nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر  والقرطبي  وغيرهما ، وصوبه الشيخ  
مرعي  في بهجته ، وذهب إليه جمهور من المفسرين ، وقد  
سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما يوزن يوم القيامة فقال :  
" الصحف "  ذكره  
 nindex.php?page=showalam&ids=16785الفخر الرازي  وغيره ، وحكاه  
ابن عطية  عن  
أبي المعالي  ، ويؤيد ذلك حديث البطاقة والسجلات ، رواه  
الترمذي  وحسنه ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان  في صحيحه ،  
والحاكم  والبيهقي  ، وقال  
الحاكم     :  
على شرط  
مسلم     . عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص     - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :  
"  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026710إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مثل مد البصر ، ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقول : أفلك عذر أو حسنة ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقول الله :  
بلى إن لك عندنا حسنة ، فإنه لا ظلم عليك اليوم ، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن  محمدا   عبده ورسوله ، فيقول :  
احضر وزنك ، فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال :  
فإنك لا تظلم ، وتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة ، فلا يثقل مع اسم الله شيء     "  
قال العلامة  
الشيخ مرعي  في بهجته : ثبت بهذا الحديث الصحيح أن الموزون صحائف الأعمال ، فإن قيل : قد أخرج الشيخان عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة     - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  
"  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026711إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح      [ ص: 188 ] بعوضة     " ، فقد صرح بأن الموزون نفس بدن الإنسان ، فالجواب أن هذا ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلا للذي يغتر ببعض الأجسام ، وهو كناية عن اكتراث الله بالأجساد ، فإن الله لا ينظر إلى الصور ، وإنما ينظر إلى الأعمال والقلوب ، فكم من جسم وسيم وهو عند الله من أصحاب الجحيم ، فهذا محمل الحديث الصحيح ، والله أعلم .