لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
قال العلماء :

الصراط أدق من الشعرة ، وأحد من السيف ، وأحمى من الجمرة ، فقد أخرج الطبراني بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال :

يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حد السيف المرهف مدحضة - أي مزلقة ، أي لا تثبت عليها قدم بل تزل عنه ، إلا من يثبته الله تعالى ، عليه كلاليب من نار تخطف أهلها فتمسك بهواديها ، ويستبقون عليها بأعمالهم ، فمنهم من شده كالبرق ، فذاك الذي لا ينشب أن ينجو ، ومنهم من شده كالريح ، ومنهم من شده كالفرس الجواد ، ومنهم من شده كهرولة الرجل ، ثم كرمل الرجل ، ثم كمشي الرجل ، وآخر من يدخل الجنة رجل قد لوحته النار فيقول الله له :

سل وتمن ، فإذا فرغ قال :

لك ما سألت ، ومثله معه .

وأخرج ابن منيع في مسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا : " الصراط كحد السيف دحض مزلة ذا حسك وكلاليب " .

[ ص: 191 ] وأخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت :

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لجهنم جسر أدق من الشعر ، وأحد من السيف عليه كلاليب وحسك تأخذ من شاء ، والناس عليه كالطرف وكالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل والركاب ، والملائكة يقولون : رب سلم سلم ، فناج مسلم ، ومخدوش مسلم ، ومكور في النار على وجهه .

" وأخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : بلغني أن الجسر أدق من الشعر ، وأحد من السيف .

وأخرج ابن ماجه عن أبي سعيد أيضا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " وضع الصراط بين ظهراني جهنم عليه حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس ، فناج مسلم ، ومخدوش به ثم ناج ، ومحتبس به ، ومنكوس فيها "

وأخرج ابن جرير ، والبيهقي ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطبقة الأولى كالبرق ، والثانية كالريح ، والثالثة كأجود الخيل ، والرابعة كأجود البهائم يمرون ، والملائكة يقولون : اللهم سلم اللهم سلم .

وأخرج البيهقي عن أنس - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :

" الصراط كحد السيف ، وإن الملائكة ينجون المؤمنين والمؤمنات ، وإن جبريل لآخذ بحجزتي ، وإني لأقول : يا رب سلم ، فالزالون والزالات يومئذ كثير " وأخرج ابن عساكر عن الفضيل بن عياض - رحمه الله - تعالى قال : بلغنا أن الصراط مسيرة خمسة عشر ألف سنة ، خمسة آلاف صعود ، وخمسة آلاف هبوط ، وخمسة آلاف مستو ، أدق من الشعرة ، وأحد من السيف على متن جهنم لا يجوز عليه إلا ضامر مهزول من خشية الله ، وفي بعض الآثار أن طول الصراط مسيرة ثلاث آلاف سنة ، ألف منها صعود ، وألف منها هبوط ، وألف منها استواء . وفي بعض الروايات أن جبريل في أوله ، وميكائيل في وسطه يسألون الناس عن عمرهم فيما أفنوه ، وعن شبابهم فيما أبلوه ، وعن علمهم ماذا عملوا به .

وفي بعض الآثار أن فيه سبع قناطر يسأل كل عبد عند كل قنطرة منها عن أنواع من التكليف .

( قلت ) : وقد ذكر القرطبي في تذكرته عن بعض أهل العلم أنه قال : لن يجوز أحد الصراط حتى يسأل على سبع قناطر فأما القنطرة الأولى فيسأل عن الإيمان بالله ، وهي شهادة أن لا إله إلا الله فإن جاء [ ص: 192 ] بها مخلصا - والإخلاص قول وعمل - جاز ، ثم يسأل في القنطرة الثانية عن الصلاة ، فإن جاء بها تامة جاز ، ثم يسأل في الرابعة عن الزكاة ، فإن جاء بها تامة جاز ، ثم يسأل في الخامسة عن الحج والعمرة ، فإن جاء بهما تامين جاز إلى القنطرة السادسة ، فيسأل عن الغسل والوضوء ، فإن جاء بهما تامين جاز إلى القنطرة السابعة ، وليس في القناطر أصعب منها ، فيسأل فيها عن ظلامات الناس ، وتبعات الخلق .

وجاء في الحديث الشريف أنه إذا صار الناس على طرف الصراط نادى ملك من تحت العرش : يا فطرة الملك الجبار جوزوا على الصراط ، وليقف كل عاص منكم وظالم .

وأخرجه الحاكم وصححه ، والطبراني عن أم الدرداء قالت : قلت لأبي الدرداء : ألا تبتغي لأضيافك ما يبتغي الرجال لأضيافهم ؟ فقال :

سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن أمامكم عقبة كئودا لا يجوزها المثقلون ، فأحب أن أتخفف لتلك العقبة " قوله : كئود بفتح الكاف وهمزة مضمومة : الصعبة .

وأخرج البزار بلفظ " إن بين أيديكم عقبة كئودا لا ينجو منها إلا كل مخف " وأخرج الطبراني عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :

" إن بين أيدينا عقبة كئودا لا يصعدها إلا المخفون " فقال رجل :

يا رسول الله أمن المخفين أنا أم من المثقلين ؟ قال : " عندك طعام يوم ؟ قال : نعم ، وطعام غد ؟ قال : لا ، قال : لو كان عندك طعام ثلاث كنت من المثقلين "
وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : إن خليلي - صلى الله عليه وسلم - عهد إلي أن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة ، وأنا إن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار واصطبار أحرى أن ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير .

التالي السابق


الخدمات العلمية