لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء

( ( فكن مطيعا واقف أهل الطاعة في الحوض والكوثر والشفاعة ) )



( ( فكن ) ) أيها الناظر لنظامي السامع لكلامي ( ( مطيعا ) ) لما جاءت به الأخبار ، وصحت بمقتضاه الآثار ، من صريح المنقول وصحيح المعقول ( ( واقف ) ) أمر من قفوته قفوا وقفوا تبعته كتقفيته واقتفيته ، أي : اتبع في اعتقادك واقصد في نهجك وارتيادك ( ( أهل الطاعة ) ) من فرقة أهل السنة والجماعة ، فإنها الفرقة الناجية والعصابة التي لكل فوز راجية ، والطاعة اسم من أطاعه يطيعه فهو مطيع ، وطاع له يطوع ويطيع ، فهو طائع ، أي : أذعن وانقاد ، والاسم الطاعة ، وقيل : طاع إذا انقاد ، وأطاع إذا تبع الأمر ولم يخالفه ( ( فيه ) ) اعتقاد إثبات ( ( الحوض ) ) الذي تقدم ذكره بالأحاديث الصحيحة ، والنصوص الصريحة ، وتقدم دعاء الصحابي على من كذب به أن الله لا يسقيه منه .

ومر في الأحاديث : أن من أحدث في هذا الدين لا يسقى منه ، وكفى بإنكار السنة الصحيحة الصريحة حدثا وبدعة ( ( و ) ) اقف أهل السنة والجماعة في إثبات ( ( الكوثر ) ) وهو فوعل من الكثرة ، والواو زائدة ، ومعناه الخير الكثير ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل ما الكوثر " ذاك نهر أعطانيه الله - عز وجل - يعني في الجنة ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر " قال عمر : - رضي الله عنه : إن هذه لناعمة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أكلتها أنعم منها " رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن .

وفي صحيح البخاري عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " بينا أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، قال : وضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر " وفي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل عن أنس أيضا - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه [ ص: 204 ] وسلم قال : " الكوثر نهر في الجنة ، وعدنيه ربي - عز وجل - " وفي الترمذي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل ، وأبيض من الثلج " قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

قال الإمام المحقق بن القيم في كتابه ( حادي الأرواح إلى منازل الأفراح ) عن مجاهد في قوله تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ) قال : الخير الكثير ، قال : وقال أنس بن مالك - رضي الله عنه : نهر في الجنة ، وقالت عائشة - رضي الله عنها : نهر في الجنة ليس أحد يدخل إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر . قال الإمام ابن القيم : وهذا معناه والله أعلم أن خرير ذلك النهر شبه الخرير الذي يسمعه حين يدخل إصبعيه في أذنيه . انتهى .

وجاء في التفسير أن الكوثر القرآن والنبوة ، والكوثر في غير هذا الرجل الكثير العطاء كما في النهاية .

( ( و ) ) اقف أهل الطاعة واتبع أهل السنة والجماعة في ( ( الشفاعة ) ) وهي لغة : الوسيلة والطلب ، وعرفا : سؤال الخير للغير ، كذا عرفها بعضهم ، والحق أنها مشتقة من الشفع الذي ضد الوتر ، فكأن الشافع ضم سؤاله إلى سؤال المشفوع له ، من شفع يشفع بفتح العين المهملة شفاعة ، فهو شافع وشفيع ، والمشفع بكسر الفاء الذي يقبل الشفاعة ، والمشفع الذي تقبل شفاعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية