لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( و ) الصلاة والسلام الدائمان السرمديان على ( آله ) - صلى الله عليه وسلم ، وهم أتباعه على دينه ، قال الإمام المحقق ابن القيم في كتابه " جلاء الأفهام " : يقال آل الرجل له نفسه ، وآله لمن تبعه ، وآله لأهله وأقاربه ، فمن الأول قوله - صلى الله عليه وسلم : " اللهم صل على آل أبي أوفى " ، وقوله - تعالى : ( سلام على إل ياسين ) ، ونازع في هذا قوم ، فقالوا : لا يكون الآل إلا الأتباع والأقارب ، وأجابوا عما ذكر بأن المراد من الآية والحديث الأقارب . واختلف في آله - صلى الله عليه وسلم - فقيل : هم الذين حرمت عليهم الزكاة ، وهم عندنا كالحنفية بنو هاشم خاصة ، وعند الشافعية بنو هاشم وبنو المطلب ، وقيل : بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب ، وهذا قول أشهب من أصحاب مالك ، وقيل : هم ذريته وأزواجه خاصة ، حكاه ابن عبد البر في التمهيد ، وقيل : آله أتباعه على دينه إلى يوم القيامة ، حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم ، وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما ، ذكره البيهقي واختاره بعض الشافعية ، قلت : وكثير من علمائنا في مقام الدعاء خاصة ، وقيل : هم الأتقياء من أمته ، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل من آلك ، قال : كل مؤمن تقي . وفي القاموس : آل الرجل أهله وأتباعه وأولياؤه ، ولا يستعمل إلا فيما فيه شرف غالبا ، فلا يقال : آل الإسكاف كما يقال أهله . وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه ، بل من معناه وهو صاحب ، وهل ألفه منقلبة عن هاء وأصله أهل كما هو مذهب سيبويه ، أو عن واو كما هو مذهب الكسائي ؟ ظاهر كلام ابن القيم في جلاء الأفهام ترجيح الثاني ، وكلاهما مسموع ويصغر على أهيل وأويل ، والصواب جواز إضافة آل إلى الضمير ، قال الشاعر :

[ ص: 52 ]

أنا الفارس الحامي حقيقة والدي وآلي فما تحمي حقيقة آلكا



وفي شعر عبد المطلب جد النبي - صلى الله عليه وسلم :


وانصر على آل الصليـ     ـب وعابديه اليوم آلك



نعم هو بالنسبة إلى إضافته إلى الظاهر قليل . وإنما أتبعنا آله عليه الصلاة والسلام له ، لما تضافرت به الأخبار وصحت به الآثار من قوله - صلى الله عليه وسلم : " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم " . إلى ما لا يحصى إلا بكلفة .

" و " الصلاة والسلام الدائمان المتصلان على ( صحبه ) ، اسم جمع لصاحب ، وقال الأخفش : جمع له ، وبه جزم الجوهري ، فقال : وجمع صاحب صحب ، كراكب وركب . والضمير عائد على النبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد بالصاحب هنا الصحابي . " الأبرار " جمع البر أي البار ، وهو الصادق والكثير البر والصدق في اليمين ، وفي أسمائه الحسنى " البر " دون البار ، قال العلامة أبو بكر بن أبي داود في كتابه ( تحفة العباد ) : البر هو العطوف على عباده المحسن إليهم ، عم ببره جميع خلقه ، فلم يبخل عليهم برزقه ، وهو البر بأوليائه إذ خصهم بولايته ، واصطفاهم لعبادته ، وهو البر بالمحسن في مضاعفة الثواب له ، وبالمسيء في الصفح والتجاوز عنه . والأبرار كثيرا ما يخص بالأولياء والزهاد والعباد والصحابة الكرام أفضل أولياء الأنام ، وفي الآية الكريمة ( وتوفنا مع الأبرار ) ، والصحابي من اجتمع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا ولو لحظة ، ومات على ذلك ولو تخلله ردة .

التالي السابق


الخدمات العلمية