لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
وقوله : ( ( وأعلانا ) ) - معشر أمة هذا النبي الكريم ، والرسول الرءوف الرحيم - الرب الرحيم ، والإله الحكيم به - صلى الله عليه وسلم - ( ( على كل الأمم ) ) الماضية ، والملل الخالية بشاهد قوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) - ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) وروى البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قوله : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) قال : خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام .

وفي الصحيحين وغيرهما من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ولا يزال أناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون " . وروى مسلم وأبو داود والترمذي من حديث ثوبان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ) ) وروي هذا من حديث سعد رواه مسلم ، ومن حديث معاوية رواه البخاري ومسلم ، ومن حديث عمران بن حصين رواه أبو داود ، ومن حديث غيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين .

وروى الترمذي من حديث أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " مثل أمتي مثل المطر لا يدرى آخره خير أم أوله " وقال : حديث حسن غريب . وروى النسائي من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار : عصابة تغزو الهند ، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم عليه السلام . وأخرج أبو داود من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ ص: 272 ] - صلى الله عليه وسلم : أمتي أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الفتن والزلازل والقتل " . ورواه الطبراني في الكبير ، والحاكم في المستدرك ، والبيهقي في الشعب . وفي الصحيحين ، وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " نحن الآخرون السابقون يوم القيامة أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم - وفي رواية لمسلم - نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، ونحن أول من يدخل الجنة - وفي رواية في الصحيحين : نحن الآخرون السابقون ، بيد - أي : غير - أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا " وفي الصحيحين ، وغيرهما من حديث أنس - رضي الله عنه : " أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض " . وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ، فكبرنا ، ثم قال : أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ، قال : فكبرنا ، ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، وسأخبركم عن ذلك ، ما المسلمون في الكفار إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود أو كشعرة سوداء في ثور أبيض " . هذا لفظ مسلم ، وعند البخاري ، وكشعرة سوداء بغير ألف ، يعني قبل الواو .

وروى الإمام أحمد والترمذي بإسناد على شرط الصحيح من حديث بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أهل الجنة عشرون ومائة صف ، هذه الأمة منها ثمانون صفا " . ورواه الطبراني في معجمه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما . وروي نحوه من حديث ابن مسعود ، رواه الطبراني .

وروى عبد الله بن الإمام أحمد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : لما نزلت ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أنتم ربع أهل الجنة ، وأنتم ثلث أهل الجنة ، وأنتم نصف أهل الجنة ، وأنتم ثلثا أهل الجنة " . قال الطبراني : تفرد برفعه عبد الله بن المبارك عن الثوري .

وروي أيضا من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : أهل الجنة عشرون ومائة صف ، أنتم منها ثمانون صفا . رواه خيثمة بن سليمان القرشي . قال المحقق ابن القيم : وهذه الأحاديث [ ص: 273 ] قد تعددت طرقها ، واختلفت مخارجها ، وصح سند بعضها فلا تنافي بينها وبين حديث الشطر ، لأنه عليه السلام رجا أولا أن يكونوا شطر أهل الجنة ، فأعطاه الله سبحانه رجاءه ، وزاده عليه شيئا آخر ، وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي الزبير أنه سمع جابرا - رضي الله عنه - يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أرجو أن يكون من يتبعني من أمتي يوم القيامة ربع أهل الجنة " ، قال فكبرنا ، قال : " فأرجو أن يكونوا الشطر " . وإسناده على شرط مسلم .

وروى الدارقطني من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها ، وحرمت على الأمم حتى تدخلها أمتي " قال المحقق ابن القيم في كتابه حادي الأرواح : فهذه الأمة أسبق الأمم خروجا من الأرض ، وأسبقهم إلى مكان في الموقف وأسبقهم إلى ظل العرش ، وأسبقهم إلى الفصل والقضاء بينهم ، وأسبقهم إلى الجواز على الصراط ، وأسبقهم إلى دخول الجنة ، فالجنة محرمة على الأنبياء حتى يدخلها محمد - صلى الله عليه وسلم - ومحرمة على الأمم حتى تدخلها أمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية