لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الثالث ) : اختلف العلماء في الصلاة على غير الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - هل تجوز استقلالا أم لا ؟ قال الإمام المحقق ابن القيم في ( جلاء الأفهام ) : هذه المسألة على نوعين :

أحدهما : أن يقال : اللهم صل على آل محمد ، فهذا يجوز ، ويكون عليه الصلاة والسلام داخلا في آله ، فالإفراد عنه وقع لفظا لا معنى .

الثاني : أن يفرد واحد بالذكر ، كقوله : اللهم صل على علي أو حسن أو أبي بكر أو غيرهم من الصحابة ومن بعدهم ، فكره ذلك الإمام مالك ، قال : لم يكن ذلك من عمل من مضى . وهو مذهب أبي حنيفة ، وسفيان بن عيينة ، والثوري ، وبه قال طاوس ، وقال ابن عباس - رضي الله [ ص: 55 ] عنهما : لا تنبغي الصلاة إلا على النبي ، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار . وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز ، روى ابن أبي شيبة ، عن جعفر بن برقان ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز - رحم الله روحه : أما بعد ، فإن ناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة ، وإن من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاء كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ، ودعاؤهم للمسلمين عامة ، وهذا مذهب الشافعية ، ولهم ثلاثة أوجه : منع تحريم ، أو كراهة تنزيه ، أو من باب ترك الأولى ، حكاها النووي في الأذكار .

وقالت طائفة من العلماء : تجوز الصلاة على غير النبي استقلالا ، قال القاضي أبو يعلى - من أئمة مذهبنا - في كتابه رءوس المسائل : وبذلك قال الحسن البصري ، وخصيف ، ومجاهد ، ومقاتل بن سليمان ، ومقاتل بن حيان ، وكثير من أهل التفسير ، وهو قول الإمام أحمد - رضي الله عنه ، نص عليه في رواية أبي داود ، وقد سئل : أينبغي أن لا يصلى على أحد إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أليس قال علي لعمر : صلى الله عليك ؟ قال القاضي ، وبه قال إسحاق بن راهويه ، وأبو ثور ، وابن جرير الطبري ، واحتجوا بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على جماعة من أصحابه ممن كان يأتيه بالصدقة . واختار الإمام المحقق ابن القيم الجواز ، ما لم يتخذه شعارا أو يخص به واحدا إذا ذكر دون غيره ، ولو كان أفضل منه ، كفعل الرافضة مع أمير المؤمنين علي وأهل بيته دون غيرهم من الصحابة - رضوان الله عليهم - أجمعين ، فيكره حينئذ ، ولو قيل بالتحريم ، لكان له وجه . هذا ملخص كلامه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية