لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( تنبيه ( اعلم أن خلافة سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين - رضي الله عنه - مرتبة ولازمة لحقية خلافة الصديق الأعظم أبي بكر - رضي الله عنه - ، وقد قام الإجماع وإشارات الكتاب والسنة على حقية خلافته ، فما ثبت للأصل الذي هو الصديق من حقية الخلافة يثبت لفرعه الذي هو عمر بن الخطاب فيها ، فلا مطمع لأحد من فرق الضلال في الطعن والنزاع في حقية الخلافة ، وقد علم أهل العلم علما باتا ضروريا أن الصحابة الكرام أجمعوا على تولية الصديق الخلافة ، ومن شذ لا يقدح في ذلك من غير مرية .

فقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ " . وقد رأى [ ص: 327 ] الصحابة - رضي الله عنهم - أن يستخلف أبو بكر فهذا صح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - وهو من أكابر الصحابة وفقهائهم ومتقدميهم ، فحكى الاجتماع عن الصحابة على خلافة أبي بكر ، ولذلك كان هو أحق بها عند جميع أهل السنة والجماعة في كل عصر ومصر ، وكذلك عند المعتزلة وأكثر فرق الأمة على أنه أحق بها من جميع الصحابة . روى البيهقي عن الزعفراني قال : سمعت الشافعي - رضي الله عنه - يقول : أجمع الناس على خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - ، وذلك أنه اضطرب الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فولوه رقابهم . وأخرج أسد السنة عن معاوية بن قرة قال : ما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكون أن أبا بكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله ، وما كانوا يجتمعون على خطأ ولا على ضلالة ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما مما بلغ التواتر وعلم من الدين بالضرورة أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بايعه واعتذر إليه عن تأخره لعدم مشورته ، وإن له حقا في الشورى حتى إن سيدنا عليا - رضي الله عنه - بايع أبا بكر على المنبر لإزالة شبهة التخلف وفرح الناس بذلك . والنصوص المشيرة إلى خلافة الصديق كثيرة .

ومن أعظم فضائل الصديق ، وأتم فراسته على التحقيق ، وأكمل نصحه لهذا الدين القويم استخلافه أمير المؤمنين عمر الفاروق ، لما حصل به من عموم النفع وفتح البلاد ، وظهور الإسلام الظهور التام ، وقمع أهل الكفر وعبدة الأصنام ، فإن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - لما ثقل به المرض دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : أخبرني عن عمر بن الخطاب . فقال : ما تسألني عن أمر أنت أعلم به مني . فقال أبو بكر : وإن كان ، فقال عبد الرحمن : هو والله أفضل من وراءك ورأيك فيه أتم رأي ، فدعا عثمان بن عفان فقال : أخبرني عن عمر . فقال : أنت أخبرنا به . وقال لعلي كذلك ، فقال علمك في ذلك ؟ فقال للصديق : علمي به أن سريرته خير من علانيته ، وأنه ليس فينا مثله ، وشاور معهما زيدا وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار ، فقال : اللهم علمه الخير ، ثم دعا عثمان فكتب عهده لعمر ، ثم أمر بالكتاب فختمه ، ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختوما ، فبايع الناس ورضوا به ، ثم دعا أبو بكر [ ص: 328 ] - رضي الله عنه - عمر خاليا فأوصاه بما أوصاه ، ثم خرج من عنده ، فرفع أبو بكر يديه ، فقال : اللهم إني لم أرد بذلك إلا إصلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم ما أنت أعلم به ، واجتهدت لهم رأيي فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم ، وأحرصهم على ما يرشدهم ، وقد حضرني من أمرك ما حضرني ، فاخلفني فيهم فهم عبادك ونواصيهم بيدك ، أصلح ولايته واجعله من خلائفك الراشدين ، وأصلح له رعيته .

وقد قال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة : أبو بكر استخلف عمر ، وصاحبة موسى حين قالت : استأجره ، والعزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته : أكرمي مثواه .

وأخرج ابن عساكر عن يسار بن حمزة قال : لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة ، فقال : أيها الناس إني قد عهدت عهدا أفترضون به ؟ فقال الناس : رضينا يا خليفة رسول الله ، فقام علي - رضي الله عنه - فقال : لا نرضى إلا أن يكون عمر . قال : إنه عمر . - رضي الله عنهم أجمعين - .

التالي السابق


الخدمات العلمية