لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الثالث ) اعلم أن الذي أطبق عليه عظماء الملة وعلماء الأمة ورؤساء الأئمة أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم - الصديق الأعظم أبو بكر بن أبي قحافة ، ثم عمر الفاروق بن الخطاب - رضي الله عنهما - ، ثم اختلفوا فالأكثرون ومنهم الإمام أحمد والإمام الشافعي وهو المشهور عن الإمام مالك - رضي الله عنهم - أن الأفضل بعد أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - ، وجزم الكوفيون ومنهم سفيان الثوري بتفضيل علي على عثمان ، وقيل بالوقف عن التفضيل بينهما ، وهو رواية عن مالك فقد حكى أبو عبد الله المارزي عن المدونة أن مالكا [ ص: 356 ] سئل : أي الناس أفضل بعد نبيهم ؟ فقال : أبو بكر ثم عمر . ثم قال : أوفي ذلك شك ؟ فقيل له : وعلي وعثمان ؟ فقال : ما أدركت أحدا ممن أقتدي به يفضل أحدهما على الآخر . انتهى .

وقوله : أوفي ذلك شك ؟ يريد ما سنحرره أن تفضيل أبي بكر وعمر على بقية الأمة قطعي ، نعم حكى القاضي عياض عن الإمام مالك أنه رجع عن التوقف إلى تفضيل عثمان ، قال القرطبي وهو الأصح إن شاء الله تعالى ، وقد نقل التوقف ابن عبد البر عن جماعة من السلف منهم الإمام مالك ويحيى القطان وابن معين ، قال الإمام يحيى بن معين ومن قال : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعرف لعلي سابقته وفضله فهو صاحب سنة ، ولا شك أن من اقتصر على عثمان ولم يعرف لعلي فضله فهو مذموم ، ومن ثم يعلم أن حكاية الإجماع على أن عثمان أفضل من علي - رضي الله عنهما - مدخول بل الخلاف معلوم ، نعم معتمد محققي أهل السنة أن الخلفاء الراشدين في ترتيب الأفضلية على نسق ترتيب الخلافة ، وهذا منصوص الإمام أحمد وغيره من أئمة الإسلام ، لكن التفضيل في طرف أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - قطعي على المعتمد وقيل ظني كما عند الباقلاني وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية