لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( فاعلم ) الفاء في جواب الواو النائبة عن أما لتضمنها معنى الشرط ، والعلم صفة يميز المتصف بها بين الجواهر والأجسام والأعراض ، والواجب والممكن والممتنع ، تمييزا جازما مطابقا ( أن كل العلم ) أي سائر العلوم الشرعية وكذا العقلية بأنواعها وتفاريعها من أصولها وفروعها ، ( كالفرع لـ ) علم ( التوحيد ) المتفرع عليه ، والناشئ عنه ، المنظور إليه ، والمقتبس منه ، ( فاسمع ) سماع فهم وعرفان ، وقبول وإذعان ، " نظمي " لأمهات مسائله ومهمات دلائله . والتوحيد تفعيل للنسبة كالتصديق والتكذيب ، لا للجعل [ ص: 57 ] فمعنى وحدت الله نسبت إليه الوحدانية ، لا جعلته واحدا ، فإن وحدانية الله - تعالى - ذاتية له ليست بجعل جاعل . قال في القاموس : التوحيد إيمان بالله وحده . انتهى . أي التصديق بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخبر الدال على أن الله - تعالى - واحد في ألوهيته لا شريك له .

والتصديق بذلك الخبر أن ينسبه إلى الصدق ومطابقة الواقع بالقلب واللسان معا ، لأنا نعني بالتوحيد هنا الشرعي ، وهو إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتا وصفات وأفعالا ، فلا تقبل ذاته الانقسام بوجه ، ولا تشبه صفاته الصفات ولا تنفك عن الذات ، ولا يدخل أفعاله الاشتراك ، فهو الخالق دون من سواه . وإنما كانت العلوم كالفرع لعلم التوحيد ; لأنه أشرف العبادات وأفضل الطاعات ، وشرط في صحة كل عبادة وطاعة ، وشرط لقبول الأعمال ، إذ هو معرفة ذي العظمة والجلال ، فمن لم يوحد المعبود ، فكل عمله مردود . وإنما سمي هذا العلم بالتوحيد ; لأنه أشهر مسائله وأشرفها ، ويسمى أيضا بعلم الكلام ; لأن مباحثه كانت معنونة في كتب القدماء بقولهم : الكلام في كذا ، أو لأن أشهر مواضع الخلاف فيه مسألة كلام الله - تعالى - حتى جرى ما جرى لأئمة الدين بنزغة الشيطان للمخالفين ، ولكون علم التوحيد أصل العلوم وأس النجاة ، وسلم المعرفة للحي القيوم ، قلنا : ( لأنه ) أي علم التوحيد ( العلم ) العظيم القدر الفخيم الأمر " الذي لا ينبغي " أي لا يطلب ولا يحسن ولا يجمل ( لـ ) شخص بالغ ( عاقل ) من ذكر وأنثى من بني آدم ( لفهمه ) أي لإدراك صور معرفته في ذهنه ، واقتداره على الاتصاف بالعلم به ( لم يبتغ ) أي لم يطلبه ، ويدأب في تحصيله ليكون في إيمانه على بصيرة ، وفي عبادته على يقين ومعرفة منيرة ، ويباين أهل الشك والريب والحيرة ، بل عليه أن يشمر عن ساق الجد والاجتهاد ، ويدأب في سائر أحواله لينال المراد ، ويباين أهل الفرقة والتفنيد ، ويخلع من عنقه ربقة التقليد .

التالي السابق


الخدمات العلمية