لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( ( فأهل ) ) غزوة ( ( بدر ) ) العظمى ، وهي البطشة الكبرى ، ويقال لها بدر القتال ويوم الفرقان ، كما رواه ابن جرير وابن المنذر ، وصححه الحاكم [ ص: 362 ] عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لأن الله تعالى فرق فيه بين الحق والباطل ، وهي التي أعز الله بها الإسلام ، وقمع بها عبدة الأصنام ، وبدر قرية مشهورة ، ولم تزل من يومئذ بأهل الإسلام معمورة ، على نحو أربعة مراحل من المدينة النبوية ، قيل : نسبت إلى بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة ، وقيل : إلى بدر بن الحارث ، وقيل : إلى بدر بن كلدة ، وقيل : بل بدر اسم للبئر التي بها سميت بذلك لاستدارتها ولصفائها فكأن البدر يرى فيها ، وقيل : بل هو علم على البلد المذكور كغيرها من أسماء البلاد ، قال البغوي وهو قول الأكثر : وكانت وقعة بدر نهار الجمعة لسبعة عشر خلت من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة ، وكان عدد المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا .

روى البخاري عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال : كنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين عبروا معه النهر ، ولم يجاوزه معه إلا مؤمن ، بضعة عشر وثلاثمائة . وفي حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عن ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والبيهقي قال : أمرنا رسول الله أن نعتد ففعلنا ، فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر ، فأخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدتنا ، فسر بذلك وحمد الله تعالى ، وقال : عدة أصحاب طالوت .

وروى الإمام أحمد ، وابن أبي شيبة ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وأبو عوانة ، وابن حبان من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه وهم ثلاثمائة وبضعة عشر - ولفظ مسلم تسعة عشر رجلا - ، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة ، الحديث . وروى البزار بسند حسن عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال : كانت عدة أهل بدر عدة أصحاب طالوت يوم جالوت ، ثلاثمائة وسبعة عشر . وفي الفتح ثلاثة عشر بدل سبعة عشر . وفي الصحيح عن موسى بن عقبة عن الزهري قال : جميع من شهد بدرا من قريش من ضرب له سهمه أحد وثمانون ، مع أن البخاري وإسحاق بن راهويه أخرجا عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال : كان المهاجرون يوم بدر نيفا على الستين ، والأنصار نيفا وأربعين ومائتين ، [ ص: 363 ] قال الحافظ ابن حجر : والجمع بين هذين الحديثين أن حديث البراء فيمن شهد بدرا حسا ، وقول الزهري فيمن شهدها بالعدد حكما ممن ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له بسهمه وأجره ، أو المراد بالعدد الأول الأحرار ، وبالثاني بانضمام مواليهم وأتباعهم . وإذا تحرر هذا فجميع من شهد القتال من ثلاثمائة وخمسة أو ستة فقد عد ثمانية أنفس من أهل بدر ولم يشهدوها ، وإنما ضرب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم بسهامهم ، لكونهم تخلفوا لضرورات لهم ، وهم : عثمان بن عفان ، وطلحة ، وسعيد ، والحارث بن حاطب ، والحارث بن الصمة ، وخوات بن جبير ، وعاصم بن عدي ، وأبو لبابة - رضي الله عنهم - .

واستشهد من المسلمين في وقعة بدر أربع عشرة نفسا ، ستة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار - رضي الله عنهم - أجمعين . وقتل من الكفار سبعون ، وأسر سبعون . وقد روى الطبراني بسند رجاله ثقات عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : إن الثمانية عشر الذين قتلوا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر جعل الله تعالى أرواحهم في الجنة في طير خضر تسرح في الجنة ، فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم ربهم اطلاعة ، فقال : يا عبادي ماذا تشتهون ؟ فقالوا : يا ربنا هل فوق هذا من شيء ؟ قال : فيقول عبادي : ماذا تشتهون ؟ فيقولون في الرابعة : ترد أرواحنا في أجسادنا فنقتل كما قتلنا .

وروى البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي - رضي الله عنه - وكان من أهل بدر قال : جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين - أو كلمة نحوها - . قال : كذلك من شهد بدرا من الملائكة . وروى نحوه الإمام أحمد من حديث رافع بن خديج ، قال الحافظ ابن الجوزي في جامع المسانيد : كذا وقع في مسند الإمام أحمد ، والظاهر أنه غلط من بعض الرواة ، وإنما هو حديث رافع بن رفاعة الزرقي لا ابن خديج ، ويحتمل أن يكون سمعه ابن خديج من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح على شرط مسلم عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية . وروى أبو داود ، وابن ماجه ، والطبراني بسند جيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اطلع [ ص: 364 ] الله على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " . وروى الإمام أحمد عن أم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إني لأرجو الله أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد ممن شهد بدرا والحديبية " . قالت : قلت : أليس الله تعالى يقول : ( وإن منكم إلا واردها ) قال : فسمعته يقول : ( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) . وأخرج مسلم والترمذي من حديث جابر - رضي الله عنه - أن عبدا لحاطب جاء يشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاطبا ، فقال : يا رسول الله ليدخلن حاطب النار . فقال : " كذبت ، لا يدخلها فإنه قد شهد بدرا والحديبية " .

وفي الصحيح عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قصة كتاب حاطب ، وأن عمر بن الخطاب قال : يا رسول الله دعني أضرب عنقه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أليس من أهل بدر ؟ ولعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم - أو قال : - قد وجبت لكم الجنة " . وفي المعنى أحاديث غير ما ذكرنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية