لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
التنبيه الثاني

ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه " التفرقة بين الإيمان والزندقة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ستفترق أمتي نيفا وسبعين فرقة ، كلهم في الجنة إلا الزنادقة ، وهي فرقة " . هذا لفظ الحديث في بعض الروايات . قال : وظاهر الحديث يدل على أنه أراد الزنادقة من أمته ، إذ قال : ستفترق أمتي ، ومن لم يعترف بنبوته فليس من أمته ، والذين ينكرون أصل المعاد والصانع ، فليسوا معترفين بنبوته ، إذ يزعمون أن الموت عدم محض ، وأن العالم لم يزل كذلك موجودا بنفسه من غير صانع ، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، وينسبون الأنبياء إلى التلبيس ، فلا يمكن نسبتهم إلى الأمة . انتهى .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الإسكندرية : أما هذا الحديث فلا أصل له ، بل هو موضوع كذب باتفاق أهل العلم بالحديث ، ولم يروه أحد من أهل الحديث المعروفين بهذا اللفظ ، بل الحديث الذي في كتب السنن والمسانيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه أنه قال : " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار " . وروي عنه أنه قال : " هي الجماعة " . وفي حديث آخر : " هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " . وضعفه ابن حزم ، لكن رواه الحاكم في صحيحه ، وقد رواه أبو داود والترمذي ، وغيرهم قال : وأيضا لفظ الزندقة لا يوجد في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - كما لا يوجد في القرآن ، وأما الزنديق الذي [ ص: 93 ] تكلم الفقهاء في توبته قبولا وردا ، فالمراد به عندهم المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر . انتهى .

قلت : وقد ذكر الحديث الذي ذكره الغزالي الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات ، وذكر أنه روي من حديث أنس ، ولفظه : " تفترق أمتي على سبعين ، أو إحدى وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة " . قالوا : يا رسول الله ، من هم ؟ قال : " الزنادقة ، وهم القدرية " . أخرجه العقيلي ، وابن عدي ، ورواه الطبراني أيضا ، قال أنس : كنا نراهم القدرية . قال ابن الجوزي : وضعه الأبرد بن أشرس ، وكان وضاعا كذابا ، وأخذه منه ياسين الزيات ، فقلب إسناده وخلطه ، وسرقه عثمان بن عفان القرشي ، وهؤلاء كذابون متروكون ، وأما الحديث الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة ، واثنتان وسبعون في النار ، فروي من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وأبي الدرداء ، ومعاوية وابن عباس ، وجابر وأبي أمامة ، وواثلة وعوف بن مالك ، وعمرو بن عوف المزني ، فكل هؤلاء قالوا : واحدة في الجنة ، وهي الجماعة . ولفظ حديث معاوية ما تقدم ، فهو الذي ينبغي أن يعول عليه دون الحديث المكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم . ثم أخذ يذكر بعض ما عليه أهل الفرقة الناجية فقال :

التالي السابق


الخدمات العلمية