لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( ( والعلم ) ) أي علم الله تعالى ، ( ( والكلام ) ) أي كلامه سبحانه وتعالى ، أي كل واحد منهما قديم ، فعلمه تعالى واحد وجودي قديم باق ذاتي ، وكلامه تعالى قديم وجودي ذاتي ، ( ( قد تعلقا ) ) أي علم الله وكلامه أي كل واحد منهما قد تعلق ( ( بكل شيء ) ) من الأشياء من الجائزات والواجبات والمستحيلات ، فيجب شرعا أن يعلم أن علم الله غير متناه من حيث تعلقه ، إما بمعنى أنه لا ينقطع - وهو واضح - ، وإما بمعنى أنه لا يصير بحيث لا يتعلق بالمعلوم فإنه يحيط بما هو غير متناه كالأعداد والأشكال ، ونعيم الجنة ، فهو شامل لجميع المتصورات سواء كانت واجبة كذاته وصفاته ، أو مستحيلة كشريك له تعالى ، أو ممكنة كالعالم بأسره ، الجزيئات من ذلك والكليات ، على ما هي عليه من جميع ذلك ، وأنه واحد لا تعدد فيه ، ولا تكثر ، وإن تعددت معلوماته [ ص: 158 ] وتكثرت ، أما وجوب عموم تعلقه سمعا فمثل قوله تعالى والله بكل شيء عليم - عالم الغيب والشهادة لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض - يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور - يعلم ما يسرون وما يعلنون إلى غير ذلك من الآيات القرآنية .

وأما وجوب ذلك عقلا فلأن المقتضي للعالمية هو الذات ، إما بواسطة المعنى الذي هو العلم على ما هو مذهب الصفاتية والسلف ، وهو الحق ، أو بدونها على ما هو رأي النفاة ، والمقتضي للمعلومية إمكانها ، ونسبة الذات إلى الكل على السواء ، فلو اختصت عالميته بالبعض دون البعض لكان ذلك بمخصص ، وهو محال لامتناع احتياج الواجب في صفاته وسائر كمالاته إلى التخصيص لمنافاته لوجوب الوجود ، والغنى المطلق ، وأما وجوب وحدته فلأن الناس جملة وتفصيلا انحصروا في فريقين أحدهما أثبت العلم القديم مع وحدته ، والآخر نفاه ، ولم يذهب إلى تعدد علوم قديمة أحد يعتمد عليه إلا أبو سهل الصعلوكي من الأشاعرة حيث قال إن لله علوما لا نهاية لها كما أن متعلقاتها كذلك ، وهو محجوج بالإجماع السابق لمقالته .

فإن قيل كيف يستقيم القول بوحدة العلم مع كونه تعالى عالما بما كان ، وبما سيكون ، وبالكائن ، والعلم بذلك كذلك متغاير ؟ . فالجواب أن الباري جل شأنه في أزله يتعلق علمه بوجود الشيء مضافا إلى محله المعين فالمضي والحال والاستقبال من عوارض الأخبار عن تعلق علمه تعالى ، لا ظروف للعلم لأنه ليس بزماني حتى يوصف بالماضي والحاضر والمستقبل .

ومنشأ الشبهة من حيث الإخبار عن ذلك التعلق المخصوص بالقول اللفظي ، فإن تقدم زمن الإخبار عنه على زمن وجود ذلك الفعل ، سمي الإخبار مستقبلا ، وإن تأخر سمي ماضيا ، وإن قارن سمي حالا ، فهي مسميات تعرض باعتبار الإخبار عنه .

أما تعلق العلم بوجوده في الزمان المعين فشيء واحد . وبعض الأشاعرة جعل للعلم تعلقين : أزلي ، وتنجيزي كالقدرة والإدارة ، وقال : وتكون تلك الإخبارات راجعة للتعلق التنجيزي .

قلت : ومذهب السلف بمعزل عما يراد من هذا ، فإن الله تعالى قديم ، وصفاته قديمة ، وأفعاله قديمة ، وما يتخيل للعقل من أنواع التغيرات والتخالفات نسب وإضافات بالنسبة لإدراكاتنا ، والله تعالى الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية