صفحة جزء
إحداها: الإجماع على أصوله التي اعتقدها والأخذ بصحة الأخبار التي اعتمدها حتى من زاغ عن هذا الأصل كفروه وحذروا منه وهجروه فانتهت إليه فيها الحجة ووقفت دونه المحجة وإن كانت كذلك مذاهب المتقدمين من أهل السنة والدين فصار إماما متبعا وعلما ملتمعا وما أشبهه بالقراءات المأثورة عن السلف ثم انتهت إلى القراء السبعة خير الخلف.

الثانية اتفاق الألسن عليه بالصلاح وإليه يشار بالتوفيق والفلاح فإذا ذكر بحضرة الكافة من العلماء على اختلاف مذاهبهم في مجالسهم أو مدارسهم قالوا أحمد رجل من أهل الحديث صالح لعمري إنهما خلتان جليلتان سأل الصلاح الأنبياء والتمسه الأصفياء قال الله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام " رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين " وفي قصة سليمان " وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ". [ ص: 15 ]

الثالثة أنه ما أحبه أحد إما محب صادق وإما عدو منافق إلا وانتفت عنه الظنون وأضيفت إليه السنن ولا انزوى عنه رفضا وأظهر له عنادا وبغضا إلا واتفقت الألسن على ضلالته وسفه في عقله وجهالته وقد قدمنا قول الشافعي من أبغض أحمد بن حنبل فقد كفر.

وقال قتيبة بن سعيد أحمد بن حنبل إمامنا من لم يرض به فهو مبتدع.

الرابعة ما ألقى الله عز وجل له في قلوب الخلق من هيبة أصحابه ومحبيه وأهل مذهبه ومخالصيه فلهم التعظيم والإكبار والمعروف والإنكار والمصالح والأعمال والمقال والفعال بسطتهم سامية وسطوتهم عالية فالموافق التقي يكرمهم ديانة ورياسة والمنافق الشقي يعظمهم رعاية وسياسة ولما ذكر لأمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه الله بعد موت إمامنا أحمد غفر الله لنا وله أن أصحاب إمامنا يأتون على أهل البدع حتى يكون بينهما الشر فقال لصاحب الخبر لا ترفع إلي من خبرهم شيئا وشد على أيديهم فإنهم وصاحبهم من سادات أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - .

وقد عرف الله تعالى لأحمد صبره وبلاءه ورفع علمه أيام حياته وبعد موته أصحابه أجل الأصحاب وأنا أظن أن الله يعطي أحمد ثواب الصديقين.

الخامسة ما أحد من أصحابه المتمسكين بمعتقده قديما وحديثا تابع ومتبوع إلا وهو من الطعن سليم ومن الوهن مستقيم لا يضاف إليه ما يضاف إلى مخالف ومجانف من وسم ببدعة أو رسم بشنعة أو تحريف مقال أو تقبيح فعال.

السادسة اتفاق القول الأخير والقديم أن له الاحتياط في التحليل والتحريم يعتمد في فقهه على العزائم كما لم تأخذه في أصوله المقربة إلى الله عز وجل لومة لائم يعتمد على كتاب ناطق أو خبر موافق أو قول صحابي جليل صادق ويقدم ذلك على الرأي والقياس. [ ص: 16 ]

السابعة أن كلام أحمد في أهل البدع مسموع وإليه فيهم الرجوع فمن ظهر في قوله نكيره ولما يعتقده تغييره فقد ثبت تكفيره مثل ما قال في اللفظية والمرجئة والرافضة والقدرية والجهمية وإن كان قد سبق النطق بضلالهم لكن له القدم العالي في شرح فساد مذاهبهم وبيان قبيح مثالهم والتحذير من ضلالهم.

الثامنة ما أظهره الله تعالى له في حياته من المراتب ونشر له بعد مماته من المناقب ورفع له بذلك العلم بين سائر الأمم فتنافس حين موته في الصلاة عليه العلماء والكبراء والأغنياء والفقراء والصلحاء والأولياء لأنه توفي في شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وأربعين ومائتين وله سبع وسبعون سنة فقال المتوكل على الله لمحمد بن عبد الله بن طاهر طوبى لك صليت على أحمد ابن حنبل.

التالي السابق


الخدمات العلمية