صفحة جزء
157 - الجنيد بن محمد بن الجنيد أبو القاسم الخراز ويقال القواريري

وقيل كان أبوه قواريريا وكان هو خرازا وأصله من نهاوند إلا أن مولده ومنشأه ببغداد وسمع بها الحديث ولقي العلماء وصحب جماعة من الصالحين واشتهر منهم بصحبة الحارث المحاسبي ، وسري السقطي ثم اشتغل بالعبادة وأسند الحديث عن الحسن بن عرفة ونقل عن إمامنا أشياء.

منها ما أنبأنا عبد الرحمن بن منده قال: أخبرنا علي بن جهضم بمكة حدثنا محمد بن علي الكرخي حدثنا أبو علي الروذباري قال: سمعت جنيدا يقول: جاء رجل إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل ومعه غلام حسن الوجه فقال له: من هذا؟ قال: ابني فقال أحمد: لا تجئ به معك مرة أخرى فلما قام قيل أيد الله الشيخ رجل مستور وابنه أفضل منه؟ فقال أحمد: الذي قصدنا إليه من هذا ليس يمنع منه سترهما، على هذا رأينا أشياخنا وبه خبرونا عن أسلافهم.

وقال جعفر الخلدي قال: الجنيد ذات يوم ما أخرج الله إلى الأرض علما وجعل للخلق إليه سبيلا إلا وقد جعل لي فيه حظا ونصيبا. [ ص: 128 ]

وقال الخلدي: بلغني عن الجنيد أنه كان في سوقه وكان ورده في كل يوم ثلاثمائة ركعة وثلاثين ألف تسبيحة.

قال وسمعت الجنيد يقول: ما نزعت ثوبي للفراش منذ أربعين سنة وقال الجنيد سألني السري السقطي ما الشكر؟ فقلت: أن لا يستعان بنعمه على معاصيه فقال: هو ذاك وقال الجنيد كنت يوما بين يدي السري السقطي ألعب وأنا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر فقال لي: يا غلام ما الشكر فقلت: أن لا يعصى الله بنعمه، فقال لي: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك. قال الجنيد: فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها السري لي. وقال الجنيد في قوله تعالى " ودرسوا ما فيه " قال: تركوا العمل به وقال الجنيد ما أخذنا التصوف عن القال والقيل ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات لأن التصوف هو صفاء المعاملة مع الله وأصله العزوف عن الدنيا كما قال حارثة: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري.

وقال أبو عمرو بن علوان خرجت يوما إلى سوق الرحبة في حاجة فرأيت جنازة فتبعتها لأصلي عليها ووقفت حتى يدفن الميت في جملة الناس فوقعت عيني على امرأة مسفرة من غير تعمد فأحجمت بالنظر واسترجعت واستغفرت الله وعدت إلى منزلي فقالت لي عجوز: يا سيدي مالي أرى وجهك أسود فأخذت المرآة فنظرت فإذا وجهي أسود فرجعت إلى سري أنظر من أين ذهبت؟ فذكرت النظرة فانفردت في موضع أستغفر الله وأسأله الإقالة [ ص: 129 ] أربعين مرة فخطر في قلبي أن زر شيخك الجنيد فانحدرت إلى بغداد فلما جئت الحجرة التي هو فيها طرقت الباب فقال لي: ادخل يا أبا عمرو أتذنب بالرحبة ونستغفر لك ببغداد؟ وقال لي أبو محمد الجريري كنت واقفا على رأس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة ويوم نيروز وهو يقرأ القرآن فقلت له: يا أبا القاسم ارفق بنفسك قال: يا أبا محمد ما رأيت أحوج إليه مني في هذا الوقت وهو ذا تطوى صحيفتي.

وقال الخلدي رأيت الجنيد في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في الأسحار.

وأنبأنا الجوهري أخبرنا محمد بن المنادي قال: مات الجنيد ليلة النيروز ودفن من الغد وكان ذلك في سنة ثمان وتسعين ومائتين.

التالي السابق


الخدمات العلمية