صفحة جزء
694 - أخبرنا محمد بن محمد بن محمش الفقيه ، أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن يحيى البزاز ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا صفوان بن عيسى ، عن ابن عجلان ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتب ربكم تبارك وتعالى [ ص: 127 ] على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي تسبق أو قال: سبقت غضبي ". قلت: وقد قال بعض أهل النظر في معنى اليد في غير هذه المواضع: إنها قد تكون بمعنى القوة، قال الله عز وجل: واذكر عبدنا داوود ذا الأيد أي ذا القوة؛ وقد يكون بمعنى الملك والقدرة، قال الله عز وجل: قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ؛ وقد يكون بمعنى النعمة، تقول العرب: كم يد لي عند فلان. أي كم من نعمة لي قد أسديتها إليه؛ وقد يكون بمعنى الصلة، قال الله تعالى: مما عملت أيدينا أنعاما أي مما عملنا نحن، وقال جل وعلا: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح أي: الذي له عقدة النكاح؛ وقد يكون بمعنى الجارحة قال الله تعالى: وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث . فأما قوله عز وجل: يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي فلا يجوز أن يحمل على الجارحة، لأن الباري جل جلاله واحد، لا يجوز عليه التبعيض، ولا على القوة والملك والنعمة والصلة لأن الاشتراك يقع حينئذ بين وليه آدم وعدوه إبليس، فيبطل ما ذكر من تفضيله عليه لبطلان معنى التخصيص، فلم يبق إلا أن يحملا على صفتين تعلقتا بخلق آدم تشريفا له، دون خلق إبليس تعلق القدرة بالمقدور، لا من طريق المباشرة، ولا من حيث المماسة، وكذلك تعلقت بما روينا في الأخبار من خط التوراة وغرس الكرامة لأهل الجنة وغير ذلك تعلق الصفة بمقتضاها، وقد روينا ذكر اليد في أخبار أخر إلا أن سياقها يدل على أن المراد بها الملك والقدرة والرحمة والنعمة، أو جرى ذكرها صلة في الكلام [ ص: 128 ] فأما فيما قدمنا ذكره فإنه يوجب التفضيل، والتفضيل إنما يحصل بالتخصيص، فلم يجز حملها فيه على غير الصفة، وكذلك في كل موضع جرى ذكرها على طريق التخصيص، فإنه يقتضي تعلق الصفة التي تسمى بالسمع يدا بالكائن فيما خص بذكرها فيه تعلق الصفحة بمقتضاها، ثم لا يكون في ذلك بطلان موضع تفضيل آدم عليه السلام على إبليس، لأن التخصيص إذا وجد له في معنى دون إبليس لم يضر مشاركة غيره إياه في ذلك المعنى، بعد أن لم يشاركه فيه إبليس والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية