صفحة جزء
[ ص: 270 ] باب ما جاء في معنى قول الله عز وجل : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ما جاء في معنى قول الله عز وجل : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون . .

834 - قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في الجامع الصحيح : حدثنا الحميدي ، ثنا الحميدي ، ثنا سفيان ، حدثوني عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب والطور ، فلما بلغ هذه الآية : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون كاد قلبي أن يطير . أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، قال : زادني أبو صالح ، عن إبراهيم بن معقل ، عن محمد بن إسماعيل البخاري ، فذكره . قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله : " إنما كان انزعاجه عند سماع هذه الآية لحسن تلقيه معنى الآية ومعرفته بما تضمنته من بليغ الحجة ، فاستدركها بلطيف طبعه ، واستشف معناها بذكي فهمه ، وهذه الآية مشكلة جدا . قال أبو إسحاق الزجاج في معنى هذه الآية ، قال : فهي أصعب ما في هذه السورة ، قال بعض أهل اللغة : ليس هم [ ص: 271 ] بأشد خلقا من خلق السماوات والأرض ، لأن السماوات والأرض خلقتا من غير شيء ، وهم خلقوا من آدم ، وآدم خلق من تراب . قال : وقيل فيها قول آخر : أم خلقوا من غير شيء ؟ أم خلقوا لغير شيء ؟ أي خلقوا باطلا لا يحاسبون ولا يؤمرون ولا ينهون " . قال الشيخ أبو سليمان : وههنا قول ثالث هو أجود من القولين اللذين ذكرهما أبو إسحاق ، وهو الذي يليق بنظم الكلام ، وهو أن يكون المعنى : أم خلقوا من غير شيء خلقهم ، فوجدوا بلا خالق ، وذلك ما لا يجوز أن يكون لأن تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الأمر ، فلا بد له من خالق ، فإذ قد أنكروا الإله الخالق ، ولم يجز أن يوجدوا بلا خالق خلقهم أفهم الخالقون لأنفسهم ؟ وذلك في الفساد أكثر ، وفي الباطل أشد ، لأن ما لا وجود له كيف يجوز أن يكون موصوفا بالقدرة ، وكيف يخلق وكيف يتأتى منه الفعل ، وإذا بطل الوجهان معا قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقا فليؤمنوا به إذا . ثم قال : أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أي : إن جاز لهم أن يدعوا خلق أنفسهم في تلك الحال فليدعوا خلق السماوات والأرض ، وذلك شيء لا يمكنهم أن يدعوه بوجه ، فهم منقطعون ، والحجة لازمة لهم من الوجهين معا ، ثم قال : بل لا يوقنون فذكر العلة التي عاقتهم عن الإيمان ، وهي عدم اليقين الذي هو موهبة من الله عز وجل فلا ينال إلا بتوفيقه ، ولهذا كان انزعاج جبير بن مطعم رضي الله عنه حتى قال : كاد قلبي أن يطير ، والله أعلم . وهذا باب لا يفهمه إلا أرباب القلوب . قلت : وقد روى محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما تفسير هذه السورة وقال في هذه الآية : أم خلقوا من غير شيء من غير رب ، أم هم الخالقون . يعني أهل مكة .

التالي السابق


الخدمات العلمية