صفحة جزء
باب الجيم

23 - ذكر جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب رضي الله عنه، كنيته أبو عبد الله

استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بمؤتة.

قال أصحاب التواريخ: خرج المسلمون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أرض الحبشة، وخرج جعفر بن أبي طالب ومعه امرأته أسماء بنت عميس، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عام خيبر.

وعن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما فتن أصحابه بمكة أشار عليهم أن يلحقوا بأرض الحبشة، فخرجنا أرسالا، فلما قدمناها أصبنا دارا وقرارا، وجاورنا بها رجلا حسن الجوار، فأتمرت قريش أن يهدوا له من طرائف بلادهم من الآدم وغيره، وكان الآدم [ ص: 307 ] يعجب النجاشي إذا أهدي له، ففعلوا وبعثوا عبد الله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص ، قالت أم سلمة، رضي الله عنها: فكان أتقى الرجلين فينا حين قدم علينا عبد الله بن أبي ربيعة ، فلما قدما إلى البطارقة الهدايا، ووضعا عندهم حاجاتهم، ثم دخلا على النجاشي وقدما الهدايا فقبلها، فقالا له: أيها الملك، إن شبابا منا خرجوا بين أظهرنا، فابتدعوا دينا ليس بدينك ولا دين من مضى من آبائنا، فارقوا أشرافهم، وخيارهم، وأهل الرأي، فانقطعوا بأمرهم منهم، ثم خرجوا إليك لتمنعهم من آبائهم وعشائرهم، وهم كانوا أعلى بهم عينا، فادفعهم إلينا لنردهم إلى آبائهم وعشائرهم، فقال بطارقته: صدقوا أيها الملك، فارددهم إلى قومهم، فهم أعلم بهم، فغضب النجاشي، ثم قال: لا والله، لا أفعل.

قوم نزلوا بلادي ولجأوا إلى جواري فما كنت أدفعهم إليكم حتى أسمع من قولهم، وأنظر في أمرهم، فإن كان ما قال هذان حقا أسلمتهم إليهما، وأنا أعرف ما أصنع، وإن كان أمرهم على غير ذلك، لم أخل بينكم وبينهم، قالت أم سلمة، رضي الله عنها: فأرسل النجاشي إلينا فاجتمع المسلمون، فقالوا: ما تكلمون الرجل؟ فأجمعوا أن يكلموه بالذي هم عليه، وبما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما كان، فدخلوا عليه، ودعا أساقفته وبطارقته، فأمرهم، فنشروا المصاحف حوله، ثم قال: ما دينكم هذا الذي فارقتم به قومكم، وزعموا أنه ليس بدينهم، ولا ديننا، ولا دين اليهود؟ فكلمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: كنا على دينهم [ ص: 308 ] وأمرهم حتى بعث الله فينا رسولا نعرف نسبه، وصدقه، وعفافه، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونخلع ما يعبد قومنا من دونه، وأمرنا بالمعروف، ونهانا عن المنكر، وأمرنا بالصلاة، والصوم، وصلة الرحم، وكل ما يعرف من الأخلاق الحسنة، وتلا علينا تنزيلا جاءه من الله لا يشبهه شيء غيره، فصدقناه، وآمنا به، وعرفنا أن ما جاء به هو الحق من عند الله، ففارقنا عند ذلك قومنا، فآذونا، وفتنونا، فلما بلغ منا ما نكره ولم نقدر على الامتناع، أمرنا نبينا بالخروج إلى بلادك اختيارا لك على من سواك لتمنعنا منهم، فقال النجاشي: هل معكم مما نزل عليه شيء تقرؤونه؟ فقال جعفر: نعم، فقرأ كهيعص فلما قرأ بكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، وقال النجاشي: إن هذا الكلام والكلام الذي جاء به موسى ليخرجان من مشكاة واحدة، لا والله، لا أسلمهم إليكم، ولا أخلي بينكم وبينهم.

الحقا بشأنكما، وأمر بالهدايا فردت عليهما، قالت أم سلمة رضي الله عنها: فخرجا مقبوحين مردودا عليهما أمرهما، فقال عمرو بن العاص: أما والله لآتينه غدا بقول أبيد به خضراءهم، فقال عبد الله بن أبي ربيعة: لا تفعل، فإن للقوم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا، قال: لا والله لأفعلن.

فدخلا عليه الغد، فقال: أيها الملك، إنهم يخالفونك في عيسى ويزعمون أنه عبد فسلهم عنه، قالت أم [ ص: 309 ] سلمة: فلم ينزل بنا مثلها قط، فاجتمع القوم، فقالوا: قد عرفتم أن عيسى إلهه الذي يعبد، وقد عرفتم أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد جاء بأنه عبد، وأن ما يقولون فيه باطل، فماذا تقولون؟ فأجمعوا أن يقولوا فيه بقول الله ورسوله كائنا في ذلك ما كان، فدعاهم النجاشي ، فقال: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم؟ قال جعفر: نقول هو عبد الله ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول، فأخذ النجاشي عودا، ثم قال: والله ما عدا عيسى ما يقولون مثل هذا العود، فنخرت بطارقته حوله، فقال: وإن نخرتم، والله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي، يقول: آمنون، من سبكم غرم ثلاثا، ما أحب أن آذيت رجلا منكم، وإن لي دبرا من ذهب، والدبر بلسانهم الجبل، فوالله، ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي، وما أطاع في الناس فأطعتهم فيه، قالت أم سلمة رضي الله عنها: فجعلنا نتعرض لعمرو وصاحبه رجاء أن يسبانا، فنغمر معهما فرجعا خائبين، فأقمنا بخير دار، وعند خير جار، قد أمنا واطمأننا، إذ شغب عليه رجل من قومه، فنازعه في ملكه، فما علمنا أصابنا حزن أشد من حزن أصابنا عند ذلك، فرقا من أن يظهر عليه ذلك الرجل، فينبو بنا منزلنا ويأتينا رجل لا يعرف من حقنا مثل الذي عرف النجاشي ، فكنا ندعو ليلا ونهارا أن يعزه الله ويظهره، فخرج النجاشي سائرا إلى ذلك الرجل، [ ص: 310 ] فقلنا: من رجل يحضر القوم، فينظر ما يفعلون، فقال الزبير بن العوام: أنا، وكان من أحدثهم سنا، فاتخذ قربة فنفخها، ثم ربطها في صدره، ثم وقع في النيل، وهو بيننا وبينهم، فالتقى القوم بناحيته القصوى، فهزم جند ذلك الرجل، وقتله الله، فأقبل الزبير حتى إذا كان على شاطئ النيل ألاح بثوبه وصرخ: أبشروا، فقد أعز الله النجاشي ، وأظهره، قالت أم سلمة، رضي الله عنها: فما أذكر أنا فرحنا فرحا قط مثله، حتى بدا لنا أن يقدم من قدم منا مكة غير مكره.

والدي رحمه الله، سعيد بن أبي سعيد، محمد بن عمر حدثنا محمد بن يوسف حدثنا البخاري ، حدثنا أحمد بن أبي بكر ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن دينار أبو عبد الله الجهني ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة ، وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لشبع بطني لا آكل الخمير، ولا ألبس الحرير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصاء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية معي كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب ، كان ينقلب [ ص: 311 ] بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء، فيشقها فنلعق ما فيها " وروي عن علي ، رضي الله عنه، قال: إن ابنة حمزة اتبعتنا حين خرجنا من مكة، تنادي يا عم، فتناولتها، ثم ناولتها فاطمة، فحملتها حتى أتينا المدينة، واختصمت فيها أنا، وزيد ، وجعفر ، فقلت أنا: أخذتها وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي، وخالتها تحتي، وقال زيد: بنت أخي، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لخالتها، وقال: "الخالة بمنزلة الأم" ثم قال لعلي: "أنت مني وأنا منك"، وقال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي"، وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا"، فقال له علي: يا رسول الله، تزوجها، قال: "إنها ابنة أخي من الرضاعة" وعن علي، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " الناس من شجر شتى، وأنا وجعفر من شجرة واحدة [ ص: 312 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية