صفحة جزء
139 - ذكر مالك بن التيهان الأنصاري رضي الله عنه، كنيته أبو الهيثم

شهد العقبة الأولى، والمشاهد بعدها.

قال الزهري: لما اشتد المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس رضي الله عنه: يا عم، إن الله عز وجل ناصر دينه بقوم يهون عليهم رغم قريش، غزا في ذات الله، وذاك حين أمره الله أن يعلن الدعاء، فلقي النفر الستة الخزرجيين: أسعد بن زرارة ، وأبا الهيثم بن التيهان ، وذكرهم، فلما بايعوه على النصرة، واشترط لهم الرضوان والجنة، قال أبو الهيثم لأصحابه: أتعلمون أن هذا رسول الله إليكم، وقد آمنتم به وصدقتموه؟ قالوا: بلى، قال: أو لستم تعلمون أنه في بلد الله الحرام، ومسقط رأسه، ومولده، وعشيرته؟ قالوا: بلى، قال: فإن كنتم خاذليه أو مسلميه يوما من الدهر لئلا ينزل بكم، فالآن فإن العرب سترميكم فيه عن [ ص: 661 ] قوس واحدة، فإن طابت أنفسكم عن الأنفس والمال في ذات الله، فما لكم عند الله خير من أنفسكم وأموالكم، فأجاب القوم جميعا، لا.

بل نحن معه بالوفاء والصدق، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لعلك إذ حاربنا الناس فيك وقطعنا ما بيننا، وبينهم من الجوار والحلف والأرحام وحملنا الحرب على سبسابها، وكشفت لنا عن قناعها، لحقت ببلدك وتركتنا وقد حاربنا الناس فيك، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "الدم الدم، الهدم الهدم" ، فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: خل يا أبا الهيثم حتى نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقهم أبو الهيثم إلى بيعته، فقال: أبايعك يا رسول الله على ما بايع عليه الاثنا عشر نقيبا من بني إسرائيل موسى بن عمران صلى الله عليه وسلم
قال أهل التاريخ: أبو الهيثم بن التيهان نقيب شهد بدرا.

أخبرنا أبو نصر النيسابوري ، أخبرنا محمد بن أحمد بن عبد الرحمن ، حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، [ ص: 662 ] حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبو زهير ، حدثنا أبو إسماعيل الأسلمي، هو كوفي بن أبي حازم ، حدثهم عن أبي هريرة ، رضي الله عنه، أن عمر رضي الله عنه، خرج من بيته، فبينا هو جالس إذ جاء أبو بكر رضي الله عنه، فقال: ما يجلسك؟ قال: والذي بعث محمدا بالحق ما أخرجني من بيتي إلا الجوع، فقال أبو بكر: والذي بعث محمدا بالحق ما أخرجني من بيتي إلا الجوع، فبينما هما جالسان إذ جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما أجلسكما؟" قال: أخرجنا من بيوتنا الجوع، قال: "وأنا والذي بعثني بالحق ما أخرجني من بيتي إلا الجوع" ، ثم قال لهم: "قوموا فانطلقوا إلى بيت رجل من الأنصار" ، فاستقبلتهم المرأة، فقالت: مرحبا، فقال: "أين أبو فلان؟" ، قالت: انطلق ليستعذب لنا الماء، فبينا هم كذلك إذ جاءهم الأنصاري وهو أبو الهيثم بن التيهان حامل قربة على ظهره، فقال: مرحبا، والله ما زار العباد قط خير من زواري، فانطلق فقطع عذقا من نخلة أو نخله، فجاء به ووضعه بين أيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل اجتنيت منه؟" ، فقال: يا نبي الله، إني أحببت أن تكونوا الذين تختارون على عيونكم، وأخذ الشفرة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياك والحلوب" ، فذبح لهم يومئذ فأكلوا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه: "لتسألن يوم القيامة عن هذا النعيم الذي [ ص: 663 ] أصبتم اليوم" وروي عن أبي الهيثم "أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه، فاعتنقه فقبله والتزمه" .

والله تعالى أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية