صفحة جزء
371 - (ب) وكان إسلام عمر بن الخطاب فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب، وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، كانت قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد بن زيد معها، وهم يستخفون بإسلامهم من عمر ، وكان نعيم بن عبد الله النحام رجلا من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم، وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه، فذكر له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين من رجال ونساء، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد [ ص: 280 ] المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق بن أبي قحافة ، في رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له: أين تريد؟ قال: أريد محمدا، هذا الصابئ الذي قد فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها، فأقتله، فقال له نعيم: والله، لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر ، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال: وأي أهل بيتي؟ قال: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد ، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد أسلما وتابعا محمدا صلى الله عليه وسلم على دينه، فعليك بهما، فرجع عمر عامدا لختنه وأخته، وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها طه يقرئهما إياها، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب بن الأرت في مخدع لعمر أو في بعض البيت، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها، وقد سمع عمر حين دنا من البيت قراءته عليهما، فلما دخل قال: ما هذه الهينمة التي سمعتها؟ قالا: ما سمعت شيئا، قال: بلى والله لقد أخبرت عما تابعتما محمدا على دينه، وبطش بختنه سعيد بن زيد ، وقامت إليه فاطمة أخته لتكفه عن زوجها، فضربها فشجها، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه: نعم، قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك. ولما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى وقال لأخته: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرآن آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد؟ وكان عمر كاتبا، فلما قال ذلك قالت له أخته: إنا نخشاك عليها، قال: لا تخافي، وحلف لها بآلهته ليردنها إليها إذا قرأها، فلما قال لها ذلك طمعت في إسلامه، فقالت له: يا أخي، إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسها إلا الطاهر، فقام عمر فاغتسل، ثم أعطته الصحيفة، وفيها طه، فقرأها، فلما قرأ صدرا منها قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فلما سمع خباب ذلك خرج إليه فقال له: يا عمر ، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإني سمعته وهو يقول: "اللهم [ ص: 281 ] أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب" ، فالله الله يا عمر ، فقال له عند ذلك: فادللني عليه يا خباب حتى آتيه فأسلم، فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا، معه فئة، يعني من أصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضرب عليهم الباب، فرآه متوشحا السيف، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع فقال: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف، فقال حمزة بن عبد المطلب: فائذن له، فإن كان يريد خيرا بذلنا له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائذن له" ، فأذن له الرجل ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة، فأخذ بحجزته أو بجمع ردائه، ثم جبذه جبذة شديدة وقال: "ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ والله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة" ، فقال له عمر: يا رسول الله، جئتك أؤمن بالله وبرسوله وبما جئت به من عند الله، قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم، فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم ذلك وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة بن عبد المطلب ، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله، وينتصفون بهما من عدوهم. فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر بن الخطاب حين أسلم رضي الله عنه.

التالي السابق


الخدمات العلمية