صفحة جزء
ومما يقع فيه الإشكال قديما ، وقد روي على وجهين ما حدثنا به أبو القاسم بن منيع ، حدثنا داود بن عمرو الضبي ، حدثنا حفص بن غياث ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه عن جده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يترك المؤمن مفرجا حتى يضم إلى قبيلة يكون منها" حفظته عنه [ ص: 161 ] بالجيم . . وحدثنا به الهزاني أيضا ، حدثنا الرياشي ، حدثنا ابن أبي سمينة ، حدثنا حفص بن غياث ، فذكر نحوه بالجيم أيضا . وسمعت أبا عبد الله بن عرفة يقول: يروى هذا الحديث بالجيم والحاء ، فأما الحاء فيقال رجل مفرح ، وهو المثقل بالدين . قال الشاعر :


إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة وتضمر أخرى أفرحتك الودائع



وهكذا ذكره أبو عبيد أنه يروى مفرحا ومفرجا . وحكى لنا أبو الحسن الأخفش ، عن أحمد بن يحيى ، قال: كان ابن الأعرابي ينكر مفرحا –بالحاء- ويقول: إن البيت الذي فيه "أفرحتك الودائع" مصنوع ، وأنشد لأبي سفيان بن حرب:


ولما تولى الجيش قلت ولم أكن     لأفرجه أبشر بعز ومغنم



يريد أغمه فأثقله ، فقال: الآن صح .

[ ص: 162 ] وأخبرني علي بن سليمان ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابي ، قال: المفرح: الذي لا مال له ، والمفرج: الذي لا عشيرة له وقرأت على ابن دريد ، يقال: مفرج بالجيم إذا كان حميلا لا ولاء له إلى أحد ولا نسب ، وقال الأصمعي: هو بالحاء الذي أفرحه الدين ، أي أثقله ، قال: يقول أن يقضى دينه من بيت المال ولا يترك مدينا ، وأنكر قولهم: مفرج بالجيم . وقال أبو عمرو بن العلاء نحوه .

وحكى أبو عبيد أن الإمام محمد بن الحسن الشيباني قال في مفرج –بالجيم-: إنه القتيل يوجد بأرض فلاة ، لا يكون عند قرية ، فإنه تؤدى ديته من بيت المال ولا يطل دمه ، وقال بعضهم: الذي لا ديوان له .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم حتى يضم إلى قبيلة يكون منها ، أي يحالف قوما أو يواليهم ، وينضم إليهم ليمنعوه ويدفعوا عنه ، ولم يرد صلى الله عليه وسلم الدعوة والانتساب وقال الشاعر :

[ ص: 163 ]

إذن لرمت قيس ورائي بالحصى     وما أسلم الجاني لما جر بالأمس



وقد حكى لي [بعضهم ] عن أبي عبيدة ما يؤيد هذا ، قال المفرج: أن يسلم الرجل ولا يوالي أحدا فتكون جنايته على بيت المال لأنه لا عاقلة له فهو مفرج .

التالي السابق


الخدمات العلمية