صفحة جزء
ومما يقع فيه الإشكال كثيرا -وقد تنوزع فيه-: ما حدثنا به الحسن بن علي بن خلف ، وأبو حذيفة قالا: حدثنا نصر ، عن أبي عبيد ، عن محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن أبي واقد الليثي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل متى تحل لنا الميتة ؟ قال: "ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تجتفئوا" بالجيم وهمز الياء أيضا .

[ ص: 169 ] وقد روي أيضا تختفوا بالخاء معجمة ساكنة أي تقتلعونه من الأرض يقال: اختفيت الشيء أي أخرجته من الأرض ، ومنه سمي النباش: المختفي ، وكذلك: خفيت الشيء وأنشد :


خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشي محلب



قال أبو عبيد: وسألت أبا عمرو فلم يعرف تختفئوا ، وسألت أبا عبيدة فلم يعرفها ، ثم بلغني أنه قال: من الحفأ مهموز مقصور ، وهو أصل البردي الرطب ، يقول: ما لم تقتلعوا هذا فتأكلوه . وأنكر أبو سعيد المكفوف هذا فيما رده على أبي عبيد ، وقال: هذا محال من الكلام ، أين البردي في أرض العرب ، أوكل من يلجأ إلى الميتة يقدر على البردي ؟! وأنكر أيضا تجتفئوا –بالجيم- قال: أين الاجتفاء ؟ إنما هو: كبك الإناء ، وليس لهذا معنى في الحديث . وقال: [ ص: 170 ] أبو عبيد: حدثني الهيثم بن عدي ، أنه سأل أعرابيا فقال: فلعلها تجتفئوا –بالجيم- يعني: أن يقتلع الشيء ثم يرمى به ، ويقال: جفأت الرجل إذا صرعته وضربت به الأرض ، قال أبو سعيد المكفوف: والصواب عندنا تحتفوا بالحاء غير المعجمة وخفيفة الفاء ، قال: وكذلك كل شيء يستأصل أصله يقال: احتفيت شعري ، قال: والاحتفاء أخذه عن وجه الأرض بأطراف الأصابع . قلت أنا: الرواية بالحاء غير المعجمة قليل ، وهي بالخاء أكثر .

ومثل هذا الحديث مما يشكل ويتنازع فيه: قوله صلى الله عليه وسلم في إتيان الغائط: "اتقوا الملاعن وأعدوا النبل" قال [ ص: 171 ] الأصمعي: روي هذا بضم النون وفتح الباء ، [يقال ]: نبلني أحجارا ، أي أعطنيها ، ونبلني عرقا ، أي أعطنيه . لم يعرف الأصمعي منه إلا هذا . وقال ابن الأعرابي: نبلت الرجل وأنبلته إذا ناولته النبل . قال: وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم "كنت أنبل عمومتي" أي أناولهم النبل . وقال محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة رحمة الله عليهما: النبل حجارة الاستنجاء . وقال: أبو عبيد وأصحاب الحديث يقولون وأعدوا النبل بفتح النون والباء ونراها سميت نبلا لصغرها وهو من الأضداد ، قلت أنا: النبل يقال: للرفيع من الأشياء ، ويقال أيضا للدون منها . وأنشدني أبو عبد الله المفجع ، أنشدنا ثعلب ، عن ابن الأعرابي:


أفرح أن أرزأ الكرام وأن     أورث ذودا شصائصا نبلا



وقال ابن قتيبة: النبل بضم النون وفتح الباء ، وإنما يقال [ ص: 172 ] لها نبلة إذا تناولتها وأخذتها ، وأنبلت فلانا ونبلته إذا أعطيته إياها ، واستشهد بقول لبيد:


كأن أم النبل



وسمعت أبي يحكي عن أحمد بن غياث العسكري وكان عالما باللغة والشعر أنه قال: صحف القتيبي في هذا البيت . وإنما هو (كأرآم التبل) . بتاء فوقها نقطتان ، وهو اسم موضع .

[ ص: 173 ] وهكذا قرأت على أبي بكر بن دريد في شعر لبيد ، وذكره عن أبي حاتم ، عن ابن قردد الراوية .

التالي السابق


الخدمات العلمية