صفحة جزء
ومما يروى على وجهين ، وأحدهما أقوى من الآخر: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقوني بالركوع والسجود ، فمهما سبقتكم لحقتموني ، إني قد بدنت" قال أهل العلم والمعرفة [ ص: 182 ] بالرواية: الصواب أني قد بدنت ، وقولهم: إني قد بدنت -الدال مضمومة- إنما معناه كثر لحمي ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة ، ومعنى قوله بدنت بالفتح وتشديد الدال أي: كبرت وأسننت ، واستشهدوا عليه بقول الشاعر:


وكنت خلت الشيب والتبدينا والهم ، مما يذهل القرينا



قالوا: ومما يدل على ذلك قول عائشة رضي الله عنها: إنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعض صلاته بالليل وهو جالس ، وذلك بعدما حطمته السن ، ويرويه بعضهم: بعد ما حمل اللحم ، والأول أكثر ؛ وأخبرني علي بن الحسين بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن عبيد الله بن بسطام ، حدثنا عبد الرحمن بن حماد الشعيثي ، حدثنا كهمس ، عن عبد الله بن شقيق ، قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: "أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي جالسا ، قالت: نعم ، بعدما حطمته السن" . قلت أنا: [ ص: 183 ] فهذا يدل على بدنت بالتشديد ، يقال: بدن يبدن تبدينا إذا أسن . وبدن يبدن بدونا إذا حمل اللحم ، والبدن: الشيخ المسن . قال الأسود بن يعفر :


أم ما بكاء البدن الأشيب



وما يشكل ، ويحتاج إلى شرح: ما حدثناه ابن منيع ، حدثنا شيبان بن فروخ -وهو الأبلي- حدثنا أبو أمية بن يعلى ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخنع الأسماء عند الله عز وجل ، رجل يقال: له: ملك الأملاك" وهكذا قال: أخنع [ ص: 184 ] الخاء معجمة قبل النون ، وغيره يقول: أنخع فيقدم النون ، وأخبرني الحسن بن علي بن خلف ، أنبأنا نصر ، عن أبي عبيد أنه قال في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أنخع الأسماء عند الله أن يسمى الرجل ملك الأملاك" قال أبو عبيد بعضهم يرويه: إن أخنع ، فمن رواه أنخع أراد: أقل الأسماء ومنه النخع في الذبيحة ، أن يجوز بالذبح إلى النخاع ، ومن روى أخنع الأسماء أراد أشد الأسماء ذلا ، والخانع: الذليل .

وأما الحديث "فهم أبخع طاعة" فليس من هذا ، وهو بباء بعد الألف ، تحتها نقطة ، ولا يجوز بالنون حدثنا أبو بكر بن أحمد بن سعدويه ، حدثنا نصر بن علي ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، عن حيوة بن شريح ، عن بكر بن عمرو ، أن مشرح بن هاعان أخبره أنه سمع عقبة بن عامر [قال ]: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتاكم أهل اليمن: هم ألين قلوبا ، وأرق أفئدة ، وأبخع [ ص: 185 ] طاعة" . قال نصر: فقلت للأصمعي: ما أبخع طاعة ؟ قال: أنصح طاعة ، فقلت له: فإن أبا أحمد حدثنا عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد لعلك باخع نفسك أي قاتل نفسك ، فقال الأصمعي: هذا قلت لك! بلغ بهم النصح أن قتلوا أنفسهم ؛ وفي كلام لعمر رضي الله عنه: فأصبحت بجنبتي الناس ، ومن لم يكن يبخع لنا بطاعة . قال أبو زيد: بخع الرجل بالطاعة إذا أقبل [بها ] وانقاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية