صفحة جزء
ومما يشكل حديث رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: "نام النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت فخيخه " الخاء معجمة ، [ ص: 286 ] وكذلك التي بعدها . قالوا: الفخيخ الغطيط . يقال: فخ في نومه يفخ فخيخا إذا غط ونفخ ، وأنشد أبو بكر بن دريد:


طوبى لمن كانت له مزخة يزخها ثم ينام الفخة



وقد رواه بعضهم حتى سمعت فحيحه ، بالحاء غير معجمة ، وذهبوا إلى قولهم: فحت الأفعى فحيحا ، والأول أصوب ، وفي [ ص: 287 ] حديث ابن عمر رضي الله عنهما حتى سمعت جخيفه ، وفسروه الصوت ، والجخيف في غير هذا: الوعيد ، ويكون الكبر أيضا .

ورووا في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يغفر الله للمؤذن مد صوته " . والصحيح مدى صوته بزيادة ياء ، [ ص: 288 ] والدال مخففة ، ومداه: مقدار ما يبلغه الصوت ، وحدثني به أحمد بن إسحاق بن بهلول القاضي ، حدثني أبي ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا سفيان ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يغفر للمؤذن مدى صوته ، ويشهد له ما يسمعه من رطب ويابس " .

ورووا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذنك علي أن ترفع الحجاب ، وتسمع سراري حتى أنهاك " وإنما هو: أن تسمع سوادي حتى أنهاك ، بعد السين [ ص: 289 ] واو ، وبعد الألف دال ، والسواد هو السرار بعينه ، ولكن الرواية بالواو والدال ، وإن كان المعنى واحدا . والسين من السواد مكسورة ، ولا يجوز ها هنا بالفتح ولا الضم عند البصريين ، وقال الأصمعي: السواد: السرار . ساودته مساودة وسوادا إذا ساررته ، ولم يعرف السواد بضم السين . وقال أبو عبيد: يجوز ضم السين ، وهو مثل جوار وجوار ، ولم يروه بالضم أحد . وكأن أبا عبيد جعل السواد بالكسر المصدر ، والسواد بالضم الاسم منه ، وقال الأحمر: هو من إدناء سوادك من سواده ، وهو الشخص: قال أبو عبيد: هو من السرار أيضا لأن السرار لا يكون إلا بإدناء السواد .

وأخبرنا نفطويه ، عن أحمد بن يحيى قال: قال ابن الأعرابي: السواد السرار . وقال ابن الأعرابي: الكلام الخفي والمخالاة ، وقال: وكان مع ابنة الخس غليم أسود ترب لها تلاعبه ، [ ص: 290 ] فلما بلغا ، إذا لها بطين قد نتأ ، فقيل لها: ما هذا ؟ فقالت: طول السواد ، وقرب الوساد ، وبعد البيت من الناد ، قال ابن الأعرابي: والسواد بالضم أن يكون عند الإنسان أو البعير الماء العذب ثم يشرب الماء الملح ، فيرم عليه وجهه وكبده ، فذلك السواد ، ورجل مسود: به هذا الداء . قال: والسواد ، والسواد: السرار أيضا ، وأنشدني محمد بن علي بن إسماعيل المهرياني :


عن ذات أولية أساود ربها     وكأن لون الملح فوق شفارها



[ ص: 291 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية