صفحة جزء
ومما روي بالصاد والضاد قول عمر رضي الله عنه: "دخلت على أبي بكر رضي الله عنه وهو ينصنص لسانه ، وينضنض " .

[ ص: 294 ] رواه أبو عبيد بالصاد غير المعجمة ، وزعم أن الحديث بالصاد لا غير . وحدثنا ابن صاعد ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أن عمر اطلع على أبي بكر رضي الله عنهما وهو آخذ بلسانه ينصنص -كذا أملاه علينا بالصاد غير معجمة- فقال: ما هذا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا أوردني الموارد:

[ ص: 295 ] وحدثنا به الجواربي ، حدثنا محمد بن الحسين بن إشكاب ، حدثنا عبد الصمد ، حدثنا الدراوردي ، عن زيد بن أسلم عن أبيه: "أن عمر رأى أبا بكر رضي الله عنهما وهو ينضنض لسانه " بالضاد معجمة ، وقد روي بالضاد المعجمة أكثر مما روي بالصاد غير معجمة ، بل أكثر الرواة على الضاد المعجمة . وقال أبو عبيد: قوله ينصنص لسانه بالصاد غير المعجمة معناه يحرك ، والنضنضة بالضاد المعجمة أيضا: هو تحريك اللسان ، وشبهوه بنضنضة الحية ، ولم يرو أحد البيت الذي يستشهد به إلا بالضاد المعجمة :


تبيت الحية النضناض منه مكان الحب تستمع السرارا



[ ص: 296 ] واختلفوا في حديث فيه "كان النبي صلى الله عليه وسلم يفيم بحراء ، وكان ذلك مما تتحنث به قريش " . ورواه بعضهم تتحنف به قريش بالفاء .

فحدثنا أبو بكر بن الأنباري ، حدثنا محمد بن يحيى المروزي حدثنا أحمد بن أيوب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن وهب بن كيسان ، سمعت عبد الله بن الزبير يقول لعبيد بن عمير الليثي ، حدثنا ما كان بدء ما ابتدأ الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من النبوة ؟ فقال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم شهرا من كل سنة بحراء وكان ذلك ما تتحنث به قريش " بالنون ، والثاء منقوطة بثلاث . [ ص: 297 ] قال أبو بكر: التحنث التبرر ، وقال أبو طالب:


وراق ليرقى في حراء ونازل



[ ص: 298 ] وقال محمد بن الجهم ، حدثنا السكوني أبو أحمد ، قال فسألت ابن الأعرابي عن "يتحنث" فقال: لا أعرفه ، قال: وسألت أبا عمرو الشيباني ، وكان خيرا ، فقال: لا أعرف "يتحنث " ، وإنما هو يتحنف من الحنيفية ، أي يتبع دين الحنيفية ، وهو دين إبراهيم عليه السلام ، قال الله عز وجل: ملة إبراهيم حنيفا قال: فسألت الفراء: ما التحنث ؟ فقال: أفي شعر وجدته أم في كلام ؟ فذكرت الحديث ، فقال: يتجنب الحنث . قال الله عز وجل: وكانوا يصرون على الحنث العظيم أي الشرك ويقال: تأثم الرجل في المأثم وإذا تجنبه ، فكذلك تحنث ، فيحتمل الوجهين . قال ابن الأنباري: [ ص: 299 ] القول عندنا ما قال الفراء : وحكى لنا أبو عمر ، عن أحمد بن يحيى ثعلب أنه قال: فلان يتحنث إذا تعبد بأشياء تخرجه من الحنث ، قال: ومنه قولهم: كان يتحنث بحراء ، أي يتعبد ، ويقال: فلان يتحنث ، أي يحنث كثيرا ويتعمد ذلك . فكأنه عنده من الأضداد .

ومما يصحف قوله صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار والدرهم ، تعس [وانتكس ] وإذا شيك فلا انتقش " [ ص: 300 ] بالقاف ، والشين منقوطة . هذه الرواية الصحيحة . وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: سمعت من يرويه فلا انتعش بالعين غير معجمة . وقد سمعت أنا غير واحد يرويه فلا انتعش بالعين [غير معجمة ] والصحيح القاف في قوله لا انتقش ، يقال نقشت الشوكة ، إذا استخرجتها ، ومنه سمي المنقاش ، وفي مثل (لا تنقش الشوكة بشوكة مثلها فإن ضلعها معها) ، فأراد صلى الله عليه وسلم بقوله: تعس عبد الدينار ، أي عثر ، وقوله شيك ، أي دخلت شوكة في رجله ، فلا خرجت بالمنقاش ، وأما انتعش بالعين فهو ارتفع ، ولا معنى له مع ذكر الشوكة ، ولو كان تعس فلا انتعش كان قريبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية