صفحة جزء
وأما أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف، فإنها لما وضعته جاءت به إلى جده عبد المطلب، وأخبرته أنها رأت حين حملت به في النوم أنه قيل لها: حملت سيد هذه الأمة، فإذا وضعته فسميه محمدا، فأخذه عبد المطلب، فدخل به على هبل في جوف الكعبة، وقام عنده يدعو الله، ويشكر ما أعطاه، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها، فقالت أمه: رأيت في المنام كأنه خرج مني نور أضاء لي قصور الشام.

[ ص: 38 ] ثم التمس له الرضاعة، فاسترضع رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأة من بني سعد بن بكر يقال لها: حليمة بنت أبي ذؤيب، وأبو ذؤيب اسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر، وزوج حليمة اسمه الحارث بن عبد العزى بن رفاعة من بني سعد بن بكر.

وأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرضعته حليمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الله بن الحارث بن عبد العزى.

ولعبد الله هذا أختان من حليمة: إحداهما أنيسة، والأخرى جذامة بنت الحارث بن عبد العزى.

قالت حليمة: خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء بمكة، فخرجت على أتان لي قمراء في سنة شهباء، ومعي زوجي، ومعنا شارف لنا، والله [ ص: 39 ] إن تبض بقطرة من لبن، ومعي صبي لي لا ننام ليلتنا من بكائه، ما في ثديي ما يغنيه، فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه، وإنما نرجو الكرامة في رضاع من يرضع له من والد المولود، وكان يتيما، فكنا نقول: ما عسى أن تصنع به أمه، فكنا نأباه حتى لم يبق من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعة غيري، فكرهت أن أرجع، ولم آخذ شيئا، وقد أخذ صواحبي ما أردن، فقلت لزوجي: والله لأرجع إلى ذلك اليتيم، ولآخذنه! قالت: فأتيته فأخذته، ثم رجعت إلى رحلي، قال زوجي: أصبت والله يا حليمة، عسى الله أن يجعل فيه خيرا، قالت: فوالله ما هو إلا أن وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء الله من لبن، فشرب حتى روي، وشرب أخوه حتى روي، ثم قام زوجي إلى شارفنا من الليل فإذا بها حافل، فحلب لبنا، فشربت حتى رويت، وشرب حتى روي، فبتنا بخير [ ص: 40 ] وقد نام صبينا، وروي، فقال زوجي: والله يا حليمة ما أراك إلا أصبت نسمة مباركة، قالت: ثم خرجنا فوالله لخرجت أتاني أمام الركب حتى إنهم ليقولون لي: يا ويحك كفى علينا، أليست هذه بأتانك التي خرجت عليها؟ فأقول: والله بلى، حتى قدمنا أرضنا من حاضر بني سعد بن بكر، قالت: قدمنا على أجدب أرض، فوالذي نفس حليمة بيده، إن كانوا ليسرحون بأغنامهم إذا أصبحوا، ويسرح راعي غنمي فتروح غنمي حفلا بطانا لبنا، وتروح أغنامهم جياعا هالكة ما بها من لبن فنشرب ما شئنا من اللبن، وما من الحاضر أحد يحلب قطرة، ولا يجدها، قالت: فيقولون لرعاتهم: ويلكم، ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة، فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه، فتروح أغنامهم جياعا هالكة، وتروح غنمي حفلا لبنا، قالت: وكان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر، ويشب [ ص: 41 ] في الشهر شباب الصبي في السنة.

فلما بلغ سنتين قدمنا به على أمه، فقالت: إن لابني هذا شأنا، إني حملت به، فوالله ما حملت حملا قط كان أخف علي منه، ولقد رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء منه أعناق الإبل ببصرى، أو قالت: قصور بصرى، ثم وضعته، فوالله ما وقع كما يقع الصبيان، لقد وقع معتمدا على يديه إلى الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فدعاه عنكما، فقبضته وانطلقا.

قال أبو حاتم: فتوفيت أمه صلى الله عليه وسلم بالأبواء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أربع سنين، وكان عبد المطلب من أشفق الناس عليه، أبر الآباء به إلى أن توفي عبد المطلب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثمان سنين، وأوصى به إلى أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، وذلك أن عبد الله وأبا طالب كانا لأم، فكان أبو طالب الذي يلي أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد [ ص: 42 ] عبد المطلب إلى أن راهقه الحلم، وبلغ مبلغ الرجال، وكان أبو طالب إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:


فشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد

ذكر في الاستيعاب لابن عبد البر بإسناده إلى ابن عباس أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه، وجعل له مأدبة، سماه محمدا .

قال ابن عبد البر بعد هذا: قال يحيى بن أيوب: ما وجدنا هذا الحديث عند أحد إلا عند ابن أبي السري العسقلاني، قال: وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مختونا مسرورا. يعني مقطوع السرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية