صفحة جزء
[ ص: 217 ] فلما دخلت السنة الثامنة عشرة ، أصاب الناس مجاعة شديدة ، فاستسقى لهم عمر وأخذ بيد العباس وقال : اللهم إنا نستسقي بعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فما زال العباس قائما إلى جنبه وعيناه تهملان ، وعمر يلح في الدعاء حتى سقوا ، فسمى هذه السنة سنة الرمادة ، وأجرى عمر الأقوات على المسلمين ، وكان يرزق الضعفاء القوت ، ونهى عن الحكرة حاطبا وغيره .

وكان طاعون عمواس فتفانى الناس فيه ، فكتب عمر إلى أبي عبيدة : إنك أنزلت الناس أرضا عميقة فارفعهم إلى أرض مرتفعة ، فسار أبو عبيدة بالناس حتى نزل بالجابية ، ثم قام أبو عبيدة خطيبا فقال : أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ، ودعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم ، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه ، فمات من يومه ، واستخلف على الناس معاذ بن جبل ، فقام معاذ خطيبا بعده فقال : أيها الناس ، إن هذا الوجع رحمة ربكم ، ودعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم ، إن معاذا يسأل الله أن يقسم له حظه ثم لأهل بيته ، فطعن ابنه عبد الرحمن بن معاذ فمات ، ثم طعن معاذ في راحته فكان يقبل ظهر كفه ، وكان يقول : ما أحب أن لي بما فيك من الدنيا شيئا ، ثم مات ، واستخلف على الناس عمرو بن العاص ، فقام فيهم خطيبا فقال : أيها الناس ، إن هذا [ ص: 218 ] الوجع إذا وقع يشتعل اشتعال النار فارتفعوا عنه في الجبال . فمات في طاعون عمواس : يزيد بن أبي سفيان ، والحارث بن هشام بن المغيرة ، وسهيل بن عمرو ، وعتبة بن سهيل .

فلما بلغ عمر بن الخطاب موت أبي عبيدة بن الجراح ، ويزيد بن أبي سفيان ، أمر معاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها ، وأمر شرحبيل ابن حسنة على جند الأردن وخراجها ، وغرب عمر بن ربيعة بن أمية إلى خيبر ، ولحق بأرض الروم وتنصر ، فلم يغرب عمر بعد ذلك رجلا في شيء من عمله .

ولاعن عمر بين رجل وامرأته ، ورجع ساحرا بالبقيع ، ثم حج عمر بالناس ، فلما قدم بمكة أخر المقام مقام إبراهيم - وكان ملصقا بالبيت - في موضعه الذي هو فيه اليوم ، ورجع إلى المدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية